وأما قوله ثالثا : إنه يلزم إما الامر بالقبيح وإما الجهل فنقول : هذا بناء على أن الله تعالى لا يأمر إلا بما يكون حسنا في ذاته ، ولا ينهى إلا عما يكون قبيحا في ذاته ، وهذا قولك بناء (١) على تحسين العقل وتقبيحه وهو باطل ، وأيضا إنا نسلم ذلك إلا أنا نقول : لم لا يجوز أن يقال : إنه تعالى الآمر بالشئ تارة يأمر لكون المأمور به حسنا ، وتارة يأمر لاجل أن ذلك الامر يفعل لمصلحة (٢) من المصالح ولو لم يكن المأمور به حسنا ، ألا ترى أن السيد إذا أراد أن يروض عبده فإنه يقول له : إذا جاء يوم الجمعة فافعل الفعل الفلاني ، ويكون ذلك الفعل من الافعال الشاقة ، ويكون مقصود السيد من ذلك الامر ليس أن يأتي ذلك العبد بذلك الفعل بل أن يوطن العبد نفسه على الانقياد والطاعة ، ثم إن السيد إذا علم منه أنه وطن نفسه على الطاعة فقد يزيل عنه ذلك التكليف ، فكذا ههنا ، فلما لم تقيموا الدلالة على فساد هذا الاحتمال لم يتم كلامكم. والله أعلم انتهى. (٣)
اقول : لا ريب في وقوع مثل ذلك الامر الذي رفع قبل وقت الامتثال ، وإنما الخلاف في توجيهه ، فذهبت المعتزلة وأكثر المتكلمين من الامامية إلى أن رفع التكليف قبل الامتثال قرينة دالة على أن الامر لم يكن على ظاهره ، بل كان المراد به أمرا آخر غير ما كان متبادرا منه كما في قصة الذبح ، فإن رفع التكليف به قرينة على أن الامر إنما كان متوجها إلى مقدمات الذبح ، وأما الآخرون فقالوا : إن الامر كان متوجها إلى نفس الذبح لكنه كان مشروطا بعدم النسخ قبل الفعل ، فالفريقان متفقان في أنه قد ظهر بعد ذلك أمر كان المتبادر قبل ذلك خلافه ، وأن ثمرة هذا التكليف ليس إلا العزم وتوطين النفس على الفعل ، وإن الفداء كان لامر قد ظهر عدم تعلق التكليف به ، إما لنسخه وكونه مشروطا بعدم النسخ ، أو لانكشاف أن الامر إنما كان متوجها إلى مقدمات الفعل ، فإذا تأملت فيما ذكرناه يظهر لك أن الاشكالات الموردة في هذا المقام مشتركة
__________________
(١) في المصدر : وهذا بناء. م
(٢) في المصدر : الامر يفيد صحة مصلحة اه. م
(٣) مفاتيح الغيب ٧ : ١٥١ ـ ١٥٢. م