الاول : أنه الاسكندر بن فيلقوس اليوناني ، قالوا : والدليل عليه أن القرآن دل على أن الرجل المسمى بذي القرنين بلغ ملكه إلى أقصى المغرب بدليل قوله : « حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة » وأيضا بلغ ملكه أقصى المشرق بدليل قوله : « حتى إذا بلغ مطلع الشمس » وأيضا بلغ ملكه أقصى الشمال بدليل إن يأجوج ومأجوج قوم من الترك ويسكنون في أقصى الشمال ، وبدليل أن السد المذكور في القرآن يقال في كتب التواريخ إنه في أقصى الشمال ، (١) فهذا المسمى بذي القرنين في القرآن قد دل القرآن على أن ملكه بلغ أقصى المشرق والمغرب والشمال ، وهذا هو تمام القدر المعمور (٢) من الارض ، ومثل ذلك الملك البسيط لاشك أنه على خلاف العادة ، وما كان كذلك وجب أن يبقى ذكره مخلدا على وجه الدهر ، وأن لا يبقى مخفيا مستترا ، والملك الذي اشتهر في كتب التواريخ أنه بلغ ملكه إلى هذا القدر ليس إلا الاسكندر ، وذلك لانه لما مات أبوه جمع ملك الروم (٣) بعد أن كانوا طوائف ، ثم قصد (٤) ملوك المغرب وقهرهم ، وأمعن (٥) حتى انتهى إلى البحر الاخضر ثم عاد إلى مصر وبنى الاسكندرية وسماها باسم نفسه ثم دخل الشام وقصد بني إسرائيل ، (٦) وورد بيت المقدس وذبح في مذبحه ، ثم انعطف إلى أرمنية وباب الابواب ودانت له العبرانيون والقبط والبربر ، وتوجه بعد ذلك إلى دارابن دارا وهزمه مرات إلى أن قتله صاحب حرسه ، واستولى الاسكندر على ملوك الفرس ، وقصد الهند والصين وغزا الامم البعيدة ورجع إلى خراسان وبنى المدن الكثيرة ، ورجع إلى العراق ومرض بشهر ذور ومات بها ، فلما ثبت بالقرآن أن ذا القرنين كان رجلا ملك الارض بالكلية أوما يقرب منها وثبت بعلم التواريخ أن الذي هذا شأنه ما كان إلا الاسكندر وجب القطع بأن المراد بذي القرنين هو الاسكندر بن فيلقوس اليوناني. (٧)
__________________
(١) في المصدر : انه بنى في اقصى الشمال اه. م
(٢) في نسخة : هو نهاية القدر المعمور.
(٣) في نسخة : جمع ملوك الروم.
(٤) في نسخة : ثم حصد.
(٥) أمعن في الطلب. ابعد وبالغ في الاستقصاء. امعن الضب في حجره : غاب في اقصاه.
(٦) في نسخة : وقهر بنى إسرائيل.
(٧) وبه قال اليعقوبى في تاريخه ، وقال الثعلبى في العرائس : به قال اكثر أهل السير.