أن المراد بالتطهير في الآية الثانية هو التطهير منهما ، ويستدل على ذلك بما ورد في جملة من الروايات النبويات : من أن الله خلق الماء طهوراً لا ينجّسه شيء إلاّ ما غيّر ريحه أو طعمه ، وفي بعضها أو لونه أيضاً (١).
ولا يخفى ما فيه أمّا أولاً : فلأن هذه الأخبار لم ترد تفسيراً للآيتين فلا وجه لحملهما عليها. وأمّا ثانياً : فلضعف سندها فإنّها بأجمعها مروية من طرق العامة ولم يرد شيء منها من طرقنا.
وعلى الجملة لا دلالة للآية الأُولى على مطهّرية الماء بالمعنى المبحوث عنه في المقام ، وإنّما هي في مقام الامتنان بتكوين الماء لإزالة الأقذار والأوساخ ، ومن هذا يظهر عدم دلالة الآية الثانية أيضاً على مطهّرية الماء بعين الاشكال المتقدم ، وتزيد الآية الثانية على الاولى بمناقشة اخرى وهي اختصاصها بماء المطر ، لأنّها على ما قدّمناه نزلت في وقعة بدر حيث لم يكن عند المسلمين ماء فأنزل الله الماء عليهم من السماء ليتطهّروا به فتختص الآية بماء المطر ، ولا تقاس بالآية المتقدمة لأنّها كما عرفت وردت في مقام الامتنان على جميع طوائف البشر ، وهو يقتضي طهارة كل فرد من أفراد المياه ، فإنّها بأجمعها نازلة من السماء على ما أسمعناك آنفاً ، هذا.
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة بوجهين :
أحدهما : أن الغالب في استعمال ماء المطر في إزالة الحدث أو الخبث هو استعماله بعد نزوله ووقوعه على الأرض واجتماعه في الغدران أو الأواني ، وأمّا استعماله حين نزوله
__________________
(١) المروية في الوسائل ١ : ١٣٥ / أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٩ عن المحقق في المعتبر ، والحلّي في أول سرائره. ونقلها في المستدرك ١ : ١٩٠ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١٠ عن عوالي اللئالي عن الفاضل المقداد قال : قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد سئل عن بئر بضاعة خلق الله ... وفي سنن البيهقي المجلد الأوّل ص ٢٥٩ عن رسول الله « الماء لا ينجسه شيء إلاّ ما غلب عليه طعمه أو ريحه » وفي ص ٢٦٠ عن أبي أمامة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « انّ الماء طاهر إلاّ أن تغيّر ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيها ». وفي كنز العمّال [ ٩ : ٣٩٦ / ٢٦٦٥٢ ] : الماء لا ينجسه شيء إلاّ ما غلب على ريحه أو طعمه. وهي كما ترى غير مشتملة على جملة « خلق الله الماء طهوراً ».