وعلى الجملة الأخبار الواردة في اعتصام ماء الحمام ناظرة بأجمعها إلى دفع الشبهة المتقدمة ، وليست بصدد تنزيله منزلة الجاري من جميع الجهات وبيان أن لماء الحمام خصوصية تمنع عن انفعاله بالملاقاة بلغت مادته كراً أم لم تبلغه.
هذا على أن الحمامات المصنوعة في البلاد إنما أُعدّت لاستحمام أهل البلد وعامة الواردين والمسافرين ومثلها يشتمل على أضعاف الكر ، بحيث لو أُضيف عليها مثلها من الماء البارد لم تنسلب عنها حرارتها لكي تكفي في رفع حاجة الواردين على كثرتهم ، وفرض حمام عمومي تشتمل مادته على مقدار كر خاصة أو أقل منه حتى يسأل عن حكمه فرض أمر لا تحقق له خارجاً. فمنشأ السؤال عن حكمه ليس هو قلة الماء في مادته أو كثرته ، كما أنه ليس هو احتمال خصوصية ثابتة لماء الحياض تمنع عن انفعاله بملاقاة النجس مع فرض قلته ، وعليه فلا يبقى وجه للسؤال إلاّ ما أشرنا إليه آنفاً.
وعلى الجملة إن غاية ما يستفاد من الأخبار المتقدمة أن المادّة الجعلية العالية سطحاً عن الماء القليل كالمادّة الأصلية المتساوية سطحاً معه فلا دلالة لها على سائر الجهات ، فلا بدّ في استفادة سائر الأحكام والخصوصيات من مراجعة القواعد العامة التي قدمناها سابقاً ، وهي تقتضي التفصيل بين الرفع والدفع. بيان ذلك : أن ماء الحياض إذا كان طاهراً في نفسه ، وكان المجموع منه ومن الموجود في مادته بالغاً حد الكر فهو ماء معتصم يكفي في دفع النجاسة عن نفسه فلا ينفعل بطروّها عليه ، وأمّا إذا كان ماء الحياض متنجساً فبلوغ المجموع منه ومن مادته كراً لا يكفي في الحكم بالاعتصام ، فان بلوغ المجموع من النجس والطاهر كراً المعبّر عنه بالمتمم كرّاً بنجس لا يكفي في تطهير النجس كما أسلفناه في محلّه (١) ، فيشترط في طهارة ماء الحياض لأجل اتصاله بمادته أن تكون المادّة بالغة كراً بنفسها ، لما قدّمناه من أن تطهير الماء النجس منحصر باتصاله بالكر الطاهر على الأظهر ، أو بامتزاجه معه أيضاً كما قيل ، أو
__________________
(١) راجع ص ٢٠٦.