على نجاسته وانفعاله فيما إذا كان في البئر فهل لبعض الأمكنة خصوصية تقتضي الحكم بعدم اعتصام الماء الكثير؟ وهذا عجيب غايته.
ثم إن هناك تفصيلاً آخر نقل عن الجعفي قدسسره وهو أيضاً من أحد أصحابنا الإمامية ، وقد فصّل بين ما إذا كان ماء البئر بمقدار ذراعين في ذراعين وحكم فيه بعدم الانفعال ، وما إذا كان أقل من ذلك وحكم فيه بالانفعال وعدم الاعتصام (١). والظاهر بل الواقع أنه عين التفصيل المنسوب إلى البصروي ، وغاية الأمر أنه يرى الكر أربعة أشبار في أربعة ، وليس هذا تفصيلاً مغايراً للتفصيل المتقدم بوجه. وهذه هي أقوال المسألة عند أصحابنا الإمامية.
وأمّا العامّة فقد اتفق أرباب المذاهب الأربعة منهم على نجاسة ماء البئر بالملاقاة وإنما اختلفوا في بعض خصوصياته ، فالمالكية والحنفية التزما بنجاسته مطلقاً واختلفا في مقدار الواجب من النزح باختلاف النجاسات كميتة الإنسان وغيرها. والشافعية والحنابلة ذهبا إلى نجاسته فيما إذا كان أقل من قلتين وطهارته فيما إذا كان بقدرهما ومرجع ذلك إلى التفصيل بين بلوغ ماء البئر حد الكر وعدمه لأنهم حدوا الكر بقلتين. واختلفا في أن الشافعية فصّل في نجاسة ماء البئر على تقدير كونه أقل من قلتين بين ما إذا استند وقوع النجاسة في البئر إلى اختيار المكلف فحكم فيه بالنجاسة ، وما إذا لم يستند إليه كما إذا أطارتها الريح في البئر ، فذهب فيه إلى عدم انفعاله (٢) هذه أقوال ذوي المذاهب المعروفة عندهم ، وأمّا غيرهم من علمائهم فلا بدّ في الوقوف على أقوالهم من مراجعة كتبهم. وكيف كان فالمتبع عندنا دلالة الأخبار.
وقد استدلّ المتأخرون على طهارة ماء البئر واعتصامه فيما إذا لم يتغيّر بالنجاسة بعدّة روايات.
منها : صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع المروية بعدّة طرق عن الرضا عليهالسلام قال : « ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلاّ أن يتغيّر ريحه. أو طعمه فينزح حتى
__________________
(١) نقل عنه في المستمسك : ١ : ١٩٧.
(٢) راجع كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ١ : ٤٢ ٤٤.