وقوله ( إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ) (١) وغيرها من الموارد ، ومن الظاهر أنها ليست في تلك الموارد إلاّ بمعنى الحجة وما به البيان ، وكذا فيما ورد عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : « إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان » (٢) أي بالأيمان والحجج وما به يبيّن الشيء ، ولم يثبت في شيء من هذه الموارد أن البيِّنة بمعنى عدلين ، وغرضه صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : « إنما أقضي ... » على ما نطقت به جملة من الأخبار (٣) بيان أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وسائر الأئمة عليهمالسلام سوى خاتم الأوصياء ( عجّل الله في فرجه ) لا يعتمدون في المخاصمات والمرافعات على علمهم الوجداني المستند إلى النبوة أو الإمامة ، وإنما يقضون بين الناس باليمين والحجة سواء أطابقت للواقع أم خالفته كما هو صريح ما ورد عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في مخاصمة امرئ القيس (٤) نعم ، يقضي قائمهم عليهالسلام على طبق الواقع من دون أن يعتمد على شيء (٥).
وعلى الجملة لم يثبت أن البيِّنة بمعنى عدلين في شيء من تلك الاستعمالات وإنما هي بمعناها اللغوي كما مر ، والبيِّنة بهذا المعنى اصطلاح بين العلماء ، ولعلّه أيضاً كان ثابتاً في الدور الأخير من زمانهم عليهمالسلام. وعلى ما ذكرناه فالرواية المتقدمة لا دلالة
__________________
(١) هود ١١ : ٢٨.
(٢) كما في صحيحة هشام عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان ... » الوسائل ٢٧ : ٢٣٢ / أبواب كيفية الحكم ب ٢ ح ١.
(٣) الوسائل ٢٧ : ٢٣٣ / أبواب كيفية الحكم ب ٢ ح ٣ ، ب ١ ح ٤.
(٤) عن عدي عن أبيه قال : « اختصم امرئ القيس ورجل من حضرموت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في أرض. فقال : ألك بيِّنة؟ قال : لا ، قال : فيمينه ، قال : إذن والله يذهب بأرضي ، قال : إن ذهب بأرضك بيمينه كان ممّن لا ينظر الله إليه يوم القيامة ، ولا يزكيه وله عذاب أليم قال : ففزع الرجل وردها إليه » الوسائل ٢٧ : ٢٣٥ / أبواب كيفية الحكم ب ٣ ح ٧.
(٥) صحيحة أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث قال : « إذا قام قائم آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم حكم بحكم داود عليهالسلام لا يسأل بيِّنة. المروية في الوسائل ٢٧ : ٢٣٠ / أبواب كيفية الحكم ب ١ ح ٤.