الصادر عن المكلفين فلا مفسدة في شرب الأطفال أصلاً ، فحكمه حكم شرب الماء الطاهر بالإضافة إليهم.
وأمّا ثانياً : فلأ لو سلمنا وجود المفسدة في شرب غير المكلفين فلا نسلم أنها بمرتبة تقتضي حرمة التسبيب إليها ، فلا يحرم على المكلفين إيجادها بواسطة الأطفال والمجانين وذلك لأن المفسدة الكائنة في الأفعال على نحوين :
فتارة : تبلغ مفسدتها من الشدة والقوة مرتبة لا يرضى الشارع بتحققها خارجاً ولو بفعل غير المكلفين ، وهذا نظير شرب الخمر حيث يحرم سقيه الصبيان ، وفي مثله يجب الردع والزجر فضلاً عن جواز التسبيب إليه ، وكذا في مثل اللواط والزنا ونظائرهما ، وقد لا يرضى بمطلق وجوده وصدوره ولو من غير الإنسان فضلاً عن الأطفال كما في القتل فإنّه مبغوض مطلقاً ولا يرضى بصدوره ولو كان بفعل حيوان أو جماد ، فيجب على المكلفين ردع الحيوان ومنع الجماد عن مثله.
وأُخرى : لا تبلغ المفسدة تلك الدرجة من الشدّة ، وفي مثلها لم يدل دليل على حرمة إيجادها بفعل غير المكلفين ، لأن المبغوض إنما هو صدورها عن المكلفين ، ولا دليل على مبغوضية مطلق وجودها عند الشارع ، وما نحن فيه من هذا القبيل حيث لم يقم دليل على مبغوضية شرب النجس على الإطلاق فلا مانع من سقيه للأطفال ، ولا سيما إذا كانت النجاسة مستندة إلى نفس الأطفال ، لتنجس أيديهم أو أفواههم الموجب لتنجس الماء بملاقاتهما ، هذا كله في السقي.
وهل يجب الإعلام بنجاسته إذا شربه أحد المكلفين جهلاً أو نسياناً؟
الظاهر عدم وجوبه ، وذلك لعدم الدليل عليه ، لأن أدلّة وجوب النهي عن المنكر مختصة بما إذا كان الفاعل عالماً ملتفتاً إلى حرمة عمله ، بل قد تجب مدافعته حينئذٍ وردعه مع تحقق شرائطه ، وأمّا إذا صدر عن الجاهل بحرمته فلم يدل دليل على وجوب إعلامه وردعه ، ولو مع العلم بفعلية المفسدة في حقه ، لأنه لا يصدر على وجه مبغوض لجهل فاعله وهو غير محرم عليه ظاهراً ، فلا يدخل اعلامه تحت عنوان