من الأحكام الشرعية مجعولة على نحو القضايا الحقيقية التي مرجعها إلى قضايا شرطية مقدمها وجود موضوعاتها كالبول والخرء في المقام وتاليها ثبوت محمولاتها ، وعليه فاذا وجد في الخارج شيء وصدق عليه أنه بول ما لا يؤكل لحمه فيترتّب عليه حكمه.
وأمّا إذا شككنا في ذلك ولم ندر أنه بول ما لا يؤكل لحمه ، فلا محالة نشك في نجاسته وهو من الشك في أصل توجه التكليف بالاجتناب عنه ، وغير راجع إلى الشك في المكلف به مع العلم بالتكليف ، لأن العلم بالحكم في بقية الموارد لا ربط له بالحكم في مورد الشك ، فلا وجه معه للزوم الاحتياط قبل الفحص ، هذا.
وقد يورد على الحكم بطهارة مدفوعي الحيوان المشكوك حرمته بوجهين :
أحدهما : أن ذلك إنما يتم فيما إذا قيل بحلية أكل لحمه بأصالة الحلية لأنه حينئذٍ محلل الأكل ، ومدفوع الحيوانات المحللة طاهر ، ولا يوافق القول بحرمة أكله كما في المتن لأصالة عدم التذكية أو استصحاب حرمته حال الحياة ، لنجاسة مدفوع الحيوانات المحرمة فكيف يحكم بطهارة بوله وخرئه؟.
والجواب عن ذلك أن نجاسة البول والخرء إنما تترتب على الحرمة الثابتة على الحيوان في نفسه ، لا من جهة عدم وقوع التذكية عليه أو من جهة حرمة أكل الحيوان حال حياته ، والحرمة الثابتة بالأصل ليست من هذا القبيل ، لأنها إنما ثبتت للحيوان بلحاظ الشك في حليته وحرمته من جهة الشك في التذكية أو من جهة استصحاب الحرمة الثابتة حال حياة الحيوان ، وعلى كل حال فهي أجنبية عن الحرمة الثابتة للحيوان في ذاته ونفسه.
وثانيهما : أن الحكم بطهارة البول والخرء مما يشك في حليته إنما يتم فيما إذا لم يكن هناك ما يقتضي نجاسة مطلق البول ، وأمّا معه كقوله عليهالسلام في السؤال عن بول أصاب بدنه أو ثيابه : « صبّ عليه الماء أو اغسله مرّتين » (١) وغيره مما دلّ على
__________________
(١) كما في صحيحة محمّد بن مسلم ورواية ابن أبي نصر البزنطي المرويتين في الوسائل ٣ : ٣٩٥ / أبواب النجاسات ب ١ ح ١ ، ٧ ، وغيرهما.