وقد يكون من جهة الشبهة الموضوعية ، وعلى كلا التقديرين فقد يعلم قبوله للتذكية وقد يشك في ذلك.
أمّا إذا كان الشك من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية مع العلم بقبول الحيوان للتذكية كما إذا شككنا في حرمة لحم الأرنب أو شككنا في أن الحيوان شاة أو ذئب لظلمة ونحوها ، وكثيراً ما يتفق ذلك في الطيور لأنها قابلة للتذكية إلاّ أن بعضها محرم الأكل ، فقد ذهب جماعة من المحققين قدسسرهم إلى حرمة كل لحم يشك في حلية حيوانه ، وذلك للأصل الثانوي ، إلاّ أنّا لم نقف على وجهه. مع أن مقتضى أصالة الإباحة حليته كغيره مما يشك في حرمته ، وغاية الأمر أن يقال إن الحرمة بعد ذبحه هي التي يقتضيها استصحاب الحرمة الثابتة عليه قبل ذبحه ، إلاّ أنه مما لا يمكن المساعدة عليه.
أمّا أوّلاً : فلتوقفه على حرمة لحم الحيوان حال حياته ، ولم نعثر على دليل يدل عليها ، فان قوله تعالى ( إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ ) (١) ناظر إلى الحيوان الذي طرأ عليه الموت فإنّه على قسمين : قسم تقع عليه التذكية وهو حلال ، وقسم لا تقع عليه وهو حرام وأمّا أكله من دون أن يطرأ عليه الموت قبل ذلك كابتلاع السمكة الصغيرة أو غيرها حية مما يحل أكل لحمه فلا دلالة للآية المباركة على حرمته.
وأمّا حرمة القطعة المبانة من الحي فهي مستندة إلى كون القطعة المبانة ميتة ، وكلامنا في حرمة أكل الحيوان دون الميتة. وعلى الجملة لم تثبت حرمة أكل الحيوان قبل ذبحه حتى نستصحبها عند الشك بعد ذبحه ، هذا كله على مسلك القوم وأمّا على مسلكنا من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهية فعدم إمكان إثبات حرمة الأكل بالاستصحاب بعد ذبح الحيوان أظهر.
وأمّا ثانياً : فلأن الحرمة على تقدير تسليمها حال الحياة إنما تثبت على الحيوان بعنوان عدم التذكية ، وبعد فرض وقوع التذكية عليه خارجاً وقابليته لها يتبدل عدم التذكية إلى التذكية ، ومع زوال عنوان عدم التذكية تنتفي حرمته لا محالة.
وأمّا ثالثاً : فلأن استصحاب حرمة الأكل على تقدير جريانه في نفسه محكوم
__________________
(١) المائدة ٥ : ٣.