وأمّا الصورة الثانية : فنلتزم فيها بنجاسة الجميع ، ولا ينافيه ما دلّ على اعتصام الكر وحصر انفعاله بالتغيّر بملاقاة الأعيان النجسة ، والكر لم يلاق عين النجس في المقام ، وذلك لأن ما دلّ على اعتصام الكر إنّما يقتضي طهارته مع بقاء موضوعه وهو الكر الملاقي لغير العين النجسة لا مع انعدامه باستهلاكه في المتغيّر.
وأمّا الصورة الثالثة : فيتعارض فيها ما دلّ على انفعال الكر المتغيّر بملاقاة العين النجسة ، واعتصامه في غير تلك الصورة ، مع ما دلّ على أن المتغيّر لا يطهر إلاّ بارتفاع تغيّره ، فإن مقتضى الأول طهارة الماء في مفروض الكلام ، لأنّه لم يتغيّر بملاقاة عين النجس ، ومقتضى الثاني نجاسته لبقاء تغيّره على الفرض ، وبما أن الماء الواحد لا يحكم عليه بحكمين متضادين فيدور الأمر بين أن نحكم عليه بالنجاسة لنجاسة المتنجس ، أو نحكم عليه بالطهارة لطهارة الكر ، وإذ لا ترجيح في البين فيتساقطان ويرجع إلى قاعدة الطهارة في الماء ، بلا فرق في ذلك بين القول بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وعدمه ، إذ بناء على القول بجريانه أيضاً كان الاستصحابان متعارضين ، فيرجع بالنتيجة إلى قاعدة الطهارة.
وبذلك يظهر أن الوجه الصحيح في الحكم بالنجاسة في المقام منحصر بإطلاق صحيحة ابن بزيع.
نعم ، إن هناك وجهاً رابعاً يمكن أن يستدل به على نجاسة الكر المتغيّر بأوصاف النجس بملاقاة المتنجس ، وهو الاستدلال بصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع من ناحية أُخرى غير إطلاقها ، وحاصله : أنّ الإمام عليهالسلام قد أمر فيها بنزح ماء البئر حتى يطيب طعمه وتذهب رائحته ، ومن الظاهر البيّن أن تقليل الماء المتغيّر بأخذ مقدار منه لا يوجب ارتفاع التغيّر عن الباقي من الرائحة أو الطعم ، وهو من البداهة بمكان لا يحتاج إلى زيادة التوضيح ، فالنزح لا يكون رافعاً لتغيّر الماء الباقي في البئر وعليه يتعيّن أن يكون الوجه في قوله عليهالسلام « ينزح حتى ... » شيئاً آخر ، وهو أن البئر لما كانت ذات مادّة نابعة كان نزح المتغيّر منها وتقليله موجباً لأن ينبع الماء الصافي من مادتها ، ويزيد على المقدار الباقي من المتغيّر في البئر ، وبإضافته تقل الرائحة والطعم من الباقي ، وكلما نزح منه مقدار أخذ مكانه الماء الصافي النابع من