بلا واسطة والمتنجس معها ، والتعدي عنه إلى الجوامد لا يتم إلاّ بالإجماع وعدم القول بالفصل بين الماء وغيره ، لأنّا نحتمل أن يكون تأثير المتنجس في الماء مطلقاً من أجل لطافته وتأثره بما لا يتأثر به غيره ، ومن هنا اهتم الشارع بحفظه ونظافته ، وورد أن من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ إلاّ نفسه (١) أو أمر بالاجتناب عنه إذا لاقاه المتنجس ولو مع الواسطة ، وليس هذا إلاّ لاهتمام الشارع بنظافة الماء وتحفظه عليه ، ومع هذا الاحتمال لا مسوّغ للتعدي عن الماء إلى غيره ، فلو تعدينا فنتعدى إلى بقية المائعات لأن حكمها حكم الماء ، وأما الجوامد فلا.
على أن السراية المعتبرة في نجاسة الملاقي أمر ارتكازي ولا إشكال في عدم تحققها عند تعدد الواسطة وكثرتها ، مثلاً إذا لاقى شيء نجساً رطباً فلا محالة تسري نجاسته إلى ملاقيه بالارتكاز وإذا لاقى ذلك المتنجس شيئاً ثالثاً فهب أنّا التزمنا بتحقق السراية منه إلى الثالث أيضاً بالارتكاز ، إلاّ أن الثالث إذا لاقى شيئاً رابعاً وهكذا إلى التاسع والعاشر فتنقطع السراية بالارتكاز ، ومن هنا لا يسعنا التعدي من الماء إلى الجوامد بوجه. ولو لا مخافة الإجماع المدعى والشهرة المتحققة على تنجيس المتنجس مطلقاً لاقتصرنا في الحكم بتنجيس المتنجس على خصوص الماء أو المائعات ، ولذا استشكلنا في تعاليقنا على المتن في تنجيس المتنجس على إطلاقه لما عرفت من عدم دلالة الدليل على منجسية المتنجس في غير الماء والمائعات مع الواسطة ، ومعه فالحكم بمنجسيته على إطلاقه مبني على الاحتياط.
بقي الكلام في أدلّة القول بعدم منجسية المتنجس على إطلاقه. وقد استدل عليه بأُمور : منها : أن الحكم بمنجسية المتنجسات والأمر بالاجتناب عن ملاقياتها لغو لا يصدر عن الحكيم ، فإنه حكم غير قابل للامتثال. وتقريب ذلك كما في كلام المحقق الهمداني قدسسره بزيادة منّا : أن القول بتنجيس المتنجس مطلقاً يستلزم العلم القطعي بنجاسة جميع الدور والبقاع بل وجميع أهل البلد والبلاد ونجاسة ما في أيدي المسلمين وأسواقهم ، وذلك فإن النجاسة مسرية ولا يمكن قياسها بالطهارة ، لأنّ
__________________
(١) الوسائل ١ : ٢١٩ / أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٢.