يشترط ذلك في بقية المواضع. وثانيهما : حمل المانعة على الكراهة بصراحة الأخبار المتقدِّمة في الجواز. وبذلك يظهر أنه لا وجه لاشتراط الطهارة في جميع مواضع الصلاة. نعم ، إذا كان المحل مشتملاً على نجاسة رطبة تصيب الثوب والبدن فلا محالة يكون ذلك موجباً لبطلان الصلاة إلاّ أنه خارج عن محل الكلام كما مر.
بقي الكلام في شيء وهو أنّ مقتضى الأخبار المتقدِّمة عدم جواز الصلاة في الموضع المتنجس الرطب الذي يوجب سراية النجاسة إلى الثوب أو البدن ، فهل يختص ذلك بما إذا كانت النجاسة مما لم يعف عنه في الصلاة أو فيما إذا سرت إلى ثيابه التي تتم فيه الصلاة؟ أو أنها تعمه وما إذا كانت النجاسة مما يعفى عنه في الصلاة أو كانت سارية إلى مثل الجورب والقلنسوة ونحوهما مما لا تتم فيه الصلاة؟ ذهب فخر المحققين قدسسره إلى التعميم تمسّكاً بإطلاق الروايات ، وحكى عن والده الإجماع على عدم صحة الصلاة في ذي النجاسة المتعدِّية وإن كانت معفوّاً عنها في الصلاة (١). إلاّ أن الصحيح هو الاختصاص ، وذلك لأن العهد والارتكاز في اشتراط الصلاة بطهارة الثوب والبدن مانعان عن انعقاد الظهور في الإطلاق في الأخبار المتقدِّمة في اعتبار خلوّ المكان في الصلاة عن النجاسة المتعدِّية ، ويوجبان انصراف إطلاقها إلى بيان اشتراط الطهارة في ثوب المصلي وبدنه ، فاذا فرضنا أن النجاسة الكائنة في مواضع الصلاة غير مانعة عنها حتى إذا كانت في ثوبه أو في بدنه أو أنها أصابت التكة والجورب وغيرهما مما لا تتم فيه الصلاة فكيف تكون مانعة عن صحة الصلاة.
هذا ثم لو شككنا في ذلك ولم ندر أن الصلاة مقيدة بخلو موضعها عن النجاسة المتعدِّية أو أن الطهارة معتبرة في خصوص بدن المصلي وثيابه ، فأصالة البراءة عن اشتراط الطهارة في مكان الصلاة وتقييده بأن يكون خالياً عن النجاسة المتعدية محكمة ، وعليه فلا بأس بالصلاة في المواضع المتنجسة إذا كانت نجاسته مما يعفى عنه في الصلاة أو كانت سارية إلى ما لا تتم فيه الصلاة ، إذ لا إخلال حينئذ بشيء من شرائطها.
__________________
(١) الإيضاح ١ : ٩٠.