دون البحري منهما (١)
______________________________________________________
(١) قد ذهب المشهور إلى طهارة الكلب والخنزير البحريين وخالفهم في ذلك الحلي قدسسره والتزم بنجاسة البحري منهما أيضاً بدعوى صدق عنوانهما على البحريين كالبريين (١) ، إلاّ أن ما ذهب إليه المشهور هو الصحيح وذلك لأن الكلب والخنزير البحريين إن كانا خارجين عن حقيقتهما واقعاً ، وقد سمّيا بهما لمشابهتهما للبريين في بعض الجهات والآثار كما هو الظاهر ، لوضوح أن البحر لا يوجد فيه ما يكون كلباً أو خنزيراً حقيقة ، فلو وجد فإنما يوجد فيه ما هو من أقسام السمك ، وقد يعبّر عنه بأحد أسماء الحيوانات البرية لمجرد مشابهته إياها في رأسه أو بدنه أو في غيرهما من أجزائه وآثاره ، ومنه إنسان البحر كما يقولون أو بقر البحر كما شاهدناه ، فإنه من الأسماك من غير أن يكون بقراً حقيقة وإنما سمي به لضخامته وكبر رأسه ، ومن هذا الباب إطلاق الأسد على العنكبوت حيث يقال له أسد الذباب ، لأنه يفترس الذباب كما يفترس الأسد سائر الحيوانات ، وكذا إطلاقه على التمساح فيقال : إنه أسد البحر لأنّه أشجع الحيوانات البحرية كما أنّ الأسد كذلك في البر ، فلا إشكال في طهارتهما لأنّهما من الأسماك وخارجان عن الكلب والخنزير حقيقة ، وإنما سمّيا بهما مجازاً فلا موجب للحكم بنجاستهما بوجه.
وأما إذا قلنا إنهما من الكلب والخنزير حقيقة ، ولكن البحري منهما طبيعة أُخرى مغايرة لطبيعة الكلب أو الخنزير البريين ، بأن يكون لفظ الكلب أو الخنزير مشتركاً لفظياً بين البحري والبري منهما حتى يكون إطلاقه على كل منهما حقيقة ، فأيضاً
لا يمكننا الحكم بنجاستهما وذلك لأنا وإن صححنا استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى واحد في محلّه (٢) إلاّ أنه يتوقف على قيام قرينة تدل على ذلك لا محالة ، وبما أنه لم تقم قرينة على إرادة ذلك من الكلب والخنزير الواردين في أدلة نجاستهما فلا يمكننا الحكم بإرادة الأعم من البريين والبحريين فيختص الحكم بالأولين ، للقطع بإرادتهما
__________________
(١) السرائر ٢ : ٢٢٠.
(٢) محاضرات في أُصول الفقه ١ : ٢٠٨.