ولا يخفى بعده لأنه خلاف ظاهر الرواية ، بل الصحيح أنه بمعنى عدم التمكن من ماء آخر غير ما باشره اليهودي أو النصراني ، ومعنى الرواية حينئذ أنه إذا وجد ماء غيره فلا يتوضأ مما باشره أهل الكتاب وأما إذا انحصر الماء به ولم يتمكن من غيره فلا مانع من أن يتوضأ مما باشره أهل الكتاب ، وعلى هذا فلا دلالة لها على نجاستهم وإلاّ لم يفرق الحال في تنجس الماء وعدم جواز التوضؤ به بين صورتي الاضطرار وعدمه فلا يستفاد منها غير استحباب التجنب عما باشره أهل الكتاب.
ومنها : صحيحة ثالثة له عن أخيه عليهالسلام قال : « سألته عن فراش اليهودي والنصراني ينام عليه؟ قال : لا بأس ، ولا يصلِّى في ثيابهما ، وقال : لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة ، ولا يقعده على فراشه ولا مسجده ولا يصافحه ، قال : وسألته عن رجل اشترى ثوباً من السوق للبس لا يدري لمن كان هل تصلح الصلاة فيه؟ قال : إن اشتراه من مسلم فليصل فيه ، وإن اشتراه من نصراني فلا يصلِّي فيه حتى يغسله » (١) ولا دلالة لها أيضاً على نجاسة أهل الكتاب حيث لم تفرض الرطوبة فيما لاقاه المجوسي أو النصراني ، على أن الصلاة في الثوب المستعار أو المأخوذ من أهل الكتاب صحيحة على ما يأتي عن قريب ، ومعه تنزل الرواية على كراهة الأُمور المذكورة فيها.
هذا تمام الكلام في الأخبار المستدل بها على نجاسة أهل الكتاب وقد عرفت المناقشة في أكثرها ، ولكن في دلالة بعضها على المدعى غنى وكفاية بحيث لو كنّا وهذه الأخبار لقلنا بنجاسة أهل الكتاب لا محالة.
إلاّ أن في قبالها عدة روايات معتبرة فيها صحاح وغير صحاح دلت بصراحتها على طهارتهم وإليك نصها :
فمنها : صحيحة العيص بن القاسم قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن مؤاكلة اليهود والنصراني والمجوسي ، فقال : إذا كان من طعامك وتوضأ فلا بأس » (٢)
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٢١ / أبواب النجاسات ب ١٤ ح ١٠.
(٢) الوسائل ٣ : ٤٩٧ أبواب النجاسات ب ٥٤ ح ١ ، وكذا في ٢٤ : ٢٠٨ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥٣ ح ١.