ومما ذكرناه يظهر أن الحكم بكفر منكر الضروري عند استلزامه لتكذيب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا تختص بالأحكام الضرورية ، لأن إنكار أي حكم في الشريعة المقدسة إذا كان طريقاً إلى إنكار النبوة أو غيرها من الأُمور المعتبرة في تحقق الإسلام على وجه الموضوعية فلا محالة يقتضي الحكم بكفر منكره وارتداده.
هذا وعن شيخنا الأنصاري قدسسره التفصيل في الحكم بارتداد منكر الضروري بين المقصّر وغيره بالحكم بالارتداد في الأول لإطلاق الفتاوى والنصوص دون غيره ، إذ لا دليل على سببية إنكاره للارتداد وعدم مبغوضية العمل وحرمته في حقّه ، وما لم يكن بمبغوض في الشريعة المقدّسة يبعد أن يكون موجباً لارتداد فاعله وكفره (١).
وإذا عرفت ذلك فنقول : استدل القائل بارتداد منكر الضروري مطلقاً بعدة من الأخبار وهي على طوائف ثلاث : الأُولى : صحيحة بريد العجلي (٢) وغيرها مما أُخذ في موضوع الحكم بالكفر أدنى ما يكون به العبد مشركاً كما إذا قال للنواة إنّها حصاة أو للحصاة إنها نواة ثم دان به. الثانية : صحيحة الكناني (٣) وغيرها مما أُخذ في موضوع الحكم بالكفر الجحد بالفريضة. والثالثة : صحيحة عبد الله بن سنان (٤) وغيرها مما دلّ على أن من ارتكب كبيرة من الكبائر وزعم أنها حلال أخرجه ذلك عن الإسلام. وهذه الطائفة بإطلاقها تدل على أن من زعم الحرام حلالاً خرج بذلك
__________________
(١) كتاب الطهارة : ٣٥٤ ، باب النجاسات ( حكم منكر الضرورة من الدين ) السطر ٢٧.
(٢) المروية في الكافي ٢ : ٣٩٧ / ١. وروى عنه في الوافي ٤ : ١٩٩ / ١٨١٥. ثم إنّ هذه الرواية والرواية الثالثة وإن عبّر عنهما بالصحيحة في كلام المحقق الهمداني [ مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٥٦٦ السطر ١٠ ، ٢١ ] وغيره إلاّ أن في سنديهما محمد بن عيسى عن يونس ، وفي نفس محمد بن عيسى كلام كما أن في خصوص روايته عن يونس كلام آخر إلاّ أن الصحيح وثاقة الرجل واعتبار رواياته مطلقاً ولو كانت عن يونس ويأتي تفصيل الاستدلال على وثاقته عند الكلام على الحيض.
(٣) ، (٤) المرويتان في الوسائل ١ : ٣٤ / أبواب مقدمة العبادات ب ٢ ح ١٣ ، ١٠ ثم إن عدّ رواية الكناني صحيحة كما في كلام المحقق الهمداني وغيره مبني على أن محمد بن الفضيل الواقع في سندها هو محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار الثقة ، وفيه كلام فليراجع مظانّه.