أن التنزيل خاص بحرمة الشرب ، والثاني ظاهر في إرادة التنزيل من حيث حرمة الشرب فحسب.
وثالثاً : هب أنها دلت على تنزيل العصير منزلة الخمر مطلقاً ، إلاّ أنه ينصرف إلى أظهر الخواص والآثار وهي في الخمر ليست إلاّ حرمة الشرب والنجاسة ، وأما طهارتها بالانقلاب خلاًّ فهي من الآثار غير الظاهرة التي لا ينصرف إليها التنزيل بوجه.
والصحيح أن يستدل على ذلك بالأخبار الواردة في طهارة الخلّ وجواز شربه وأوصافه وآثاره كما دلّ على أنه مما لا بدّ منه في البيوت ، وأنه ما أفقر بيت فيه خل (١) وغير ذلك من الآثار ، وذلك لأن الخلّ لا يتحقّق إلاّ بعد نشيش العصير وغليانه بنفسه ، وقد دلّت الروايات على حليته مع أنه غلى قبل الانقلاب. بل الحرمة بالنشيش آكد من الحرمة بالغليان بالنار أو غيرها ، ومقتضى الأخبار المذكورة طهارة الخلّ الحاصل بالنشيش فضلاً عن الحاصل بالغليان بالأسباب ، ومعه لا حاجة إلى الاستدلال بشيء من الوجوه المتقدِّمة. هذا كله في المسألة الأُولى.
أمّا المسألة الثانية : أعني نجاسة الخلّ الذي ذهبت حموضته وحرمته بالغليان ، فقد ذهب الماتن إلى نجاسته وحرمته إذا غلى إلاّ أن يذهب ثلثاه أو ينقلب خلاًّ ثانياً.
ولا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأنّ الموضوع للحكم بالحرمة أو هي مع النجاسة هو الغليان على نحو صرف الوجود المنطبق على أوّل الوجودات ، ومعه إذا تحقّق الغليان أوّلاً ، ثم طهر بذهاب الثلثين أو التخليل فالغليان الثانوي لا يترتّب عليه أثر من الحرمة والنجاسة حتى نحتاج في تطهيره وتحليله إلى ذهاب الثلثين أو التخليل هذا في العصير. وكذلك الحال في الخلّ لعدم حرمته ونجاسته بالغليان حيث سبقه الغليان مرّة وترتبت عليه الحرمة والنجاسة وزالتا بانقلابه خلاًّ. إذن فالوجود الثاني من الغليان لا يؤثر شيئاً منهما وإنما هو باق على حليته وطهارته غلى أم لم يغل ، هذا
__________________
(١) الوسائل ٢٥ : ٨٥ / أبواب الأطعمة المباحة ب ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٣٧٠ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٣١.