فالمتحصل أن ما ذهب إليه المشهور من تنجس بدن الحيوان بالملاقاة وكفاية زوال العين في طهارته هو الصحيح.
بقي الكلام فيما يترتب على هذا النزاع ، فقد يقال كما عن جماعة منهم شيخنا الأُستاذ قدسسره في بحث الأُصول (١) : أن الثمرة تظهر فيما إذا أصابت الحيوان عين من الأعيان النجسة أو المتنجسة ثم لاقى بدنه ماء أو غيره من الأجسام الرطبة كالثوب مع الشك في بقاء العين في الحيوان حال وصول الماء أو الجسم الرطب إليه ، فإنّه إن قلنا بعدم تنجس الحيوان أصلاً فلا يحكم بنجاسة الملاقي للحيوان ، لأن ما علمنا بملاقاته الماء مثلاً إنما هو بدن الحيوان وهو جسم طاهر لا يقبل النجاسة حتى ينجّس الماء أو غيره ، وأما العين النجسة التي أصابت الحيوان على الفرض فملاقاتها الماء غير محرزة للشك في بقائها حال ملاقاتهما. واستصحاب بقائها إلى حال الملاقاة لا يترتب عليه ملاقاة العين النجسة مع الماء ، اللهمّ إلاّ على القول بالأصل المثبت.
وأمّا إذا قلنا بتنجّس الحيوان بالملاقاة وطهارته بزوال العين عنه ، فلا مناص من الحكم بنجاسة الملاقي للحيوان في مفروض الكلام أعني الماء أو الجسم الآخر الرطب وذلك لأن ملاقاة الحيوان مع الماء أو الثوب الرطب مثلاً وجدانية ، وغاية الأمر أنّا نشك في زوال العين عنه. وبعبارة اخرى نشك في طهارته ونجاسته ، ومقتضى استصحاب بقاء النجاسة أو عدم زوال العين عنه أنه باق على نجاسته حال ملاقاتهما وهو يقتضي الحكم بنجاسة الملاقي للحيوان ، هذا.
وفيه : أنّا سواء قلنا بتنجس الحيوان بالملاقاة وطهارته بزوال العين عنه أم قلنا بعدم تنجسه أصلاً ، لا نلتزم بنجاسة الملاقي للحيوان مع الشك في بقاء العين على بدنه وذلك لانقطاع استصحاب النجاسة في الحيوان ، لما تقدّم من دلالة الأخبار على أن الحكم بالنجاسة في الحيوانات ينحصر بصورة العلم بنجاستها ومع الشك لا يحكم عليها بالنجاسة ، لأن مقتضى قوله : « كل شيء من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلاّ أن ترى في منقاره دماً » (٢) نجاسة الماء الذي يشرب منه الطير إذا رأى في منقاره دماً
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٢٠.
(٢) الوسائل ١ : ٢٣٠ / أبواب الأسآر ب ٤ ح ٢.