اخترناه تبعاً للماتن قدسسره.
فالى هنا تحصل أن مفهوم الجلل كبقية المفاهيم العرفية لا بدّ في تعيينه من الرجوع إلى العرف ، ولا اعتبار بشيء مما ذكروه في تعريفه من أنه يحصل بالتغذي بالعذرة يوماً وليلة أو بظهور النتن في لحمه وجلده أو بصيرورة العذرة جزءاً من بدنه ، بل إنما هو عرفي لا بدّ من الرجوع إليه ، فإن علمنا بحدوثه أو بارتفاعه فهو ، وإذا شككنا في حدوثه أو في بقائه فلا بد من الرجوع إلى ما تقتضيه القواعد المقررة وقتئذ ، وهي قد تقتضي الرجوع إلى عموم الدليل أو إطلاقه وقد تقتضي الرجوع إلى الاستصحاب.
وتفصيل الكلام في المقام : أن الشك في حدوث الجلل قد يكون من جهة الشبهة المفهومية وقد يكون من جهة الشبهة الموضوعية ، فان شككنا في حدوثه من جهة الشبهة المفهومية للجهل بمفهوم الجلل ، وأنه يتحقق بالتغذي بالعذرة يوماً وليلة أو بثلاثة أيام مثلاً ، فلا يمكن الرجوع حينئذ إلى الاستصحاب الحكمي للجهل بموضوعه ، ولا إلى الاستصحاب الموضوعي إذ لا شك لنا في شيء من الموجودات الخارجية ، فلا بد معه من الرجوع إلى عموم أو إطلاق الدليل الذي دلّ على حلية لحم الدجاج أو الشاة مثلاً وطهارة بولهما ومدفوعهما ، لأن ما دلّ على حرمة لحم الجلاّل أو نجاسة بوله وروثه من المخصصات المنفصلة لدليل الحلية والطهارة ، وقد بيّنا في محله أن إجمال المخصص المنفصل لا يسري إلى العام ، بل يؤخذ بالمقدار المتيقن منه للعلم بقيام حجة أقوى فيه على خلاف العموم ، وفي المقدار الزائد يرجع إلى عموم الدليل أو إطلاقه ، لأنه حجّة في مدلوله ما دام لم يقم على خلافه حجّة أقوى ، وحيث لا حجّة على خلافه في المقدار الزائد فيكون عموم العام أو إطلاقه هو المحكّم فيه (١).
وأما إذا كانت الشبهة مصداقية للعلم بمفهوم الجلل والشك في بعض الأُمور الخارجية ، كما إذا علمنا أن الجلل يتحقق بالتغذي ثلاثة أيام أو أربعة مثلاً وشككنا في أن التغذّي هل كان ثلاثة أيام أو أربعة أم لم يكن ، فلا يمكن الرجوع فيها إلى عموم الدليل بناء على عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية كما هو الصحيح ، ولا
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٨١.