ومن هنا قد يتوهّم أن المقام من موارد تقديم الظاهر على الأصل ، لأن مقتضى الاستصحاب أو قاعدة الطهارة وإن كان طهارة آنيتهم إلاّ أن الظاهر لما اقتضى نجاستها لنجاسة أيديهم وطعامهم قدّمه الشارع على مقتضى الأصلين حسبما دلت عليه الأخبار الواردة في المقام. نعم لا بدّ من إخراج صورة العلم بطهارتها كما إذا أخذها الكافر من المسلم ثم استردها المسلم من غير فصل إذ لا يمكن الحكم بنجاستها مع العلم ببقائها على طهارتها ، وأما صورة الشك في الطهارة فهي باقية تحت المطلقات.
ولكن التوهّم غير تام وذلك لأن في بعض الروايات قيدت الأواني بما شرب فيه الخمر أو ما أكل فيه الميتة أو لحم الخنزير كما في صحيحتي محمد بن مسلم (١) والثانية منهما أصرح في التقييد لمكان « إذا » الشرطية ، وبذلك تقيد المطلقات الواردة في المقام ولا يلتزم بالنجاسة إلاّ فيما يشرب فيه الخمر أو يؤكل فيه شيء من النجاسات. وإذا شككنا في إناء من آنيتهم في أنه مما يؤكل فيه الميتة أو يشرب فيه الخمر مثلاً فهو شبهة مصداقية لا يمكن التمسك فيها بالمطلقات ، فلا مناص من الرجوع إلى استصحاب طهارتها أو إلى قاعدة الطهارة.
تتميم : لا يخفى أن الأخبار الواردة في أواني أهل الكتاب على طوائف ثلاث :
منها : ما دلّ على المنع من الأكل أو الشرب في آنيتهم من غير تقييدها بشيء (٢) وهو في نفسه يكشف عن نجاسة أهل الكتاب بعد العلم بأن مجرد تملك الكتابي للإناء لا يقتضي نجاسته وإنما يتنجّس الإناء باستعماله.
ومنها : ما دلّ على المنع عن الأكل في آنيتهم التي يأكلون فيها الميتة أو يشربون فيها الخمر (٣) وهذا يدلّنا على أن نجاسة آنية أهل الكتاب عرضية ناشئة من ملاقاتها
__________________
(١) الوسائل ٢٤ : ٢١٠ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥٤ ح ٣ ، ٦.
(٢) كما في صحيحة زرارة وصدر صحيحة محمد بن مسلم المرويتين في الوسائل ٢٤ : ٢١٠ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥٤ ح ٢ ، ٣.
(٣) كما في ذيل صحيحة محمد بن مسلم وصحيحته الأُخرى المرويتين في الوسائل ٢٤ : ٢١٠ /