السند إنما هي من المرجحات في المتعارضين وأما في باب التزاحم الذي لا تنافي ولا تكاذب فيه بين الدليلين بحسب الجعل لإمكان ثبوت المتزاحمين كليهما في الشريعة المقدّسة ، نعم قد يكونان متنافيين في مرحلة الامتثال من جهة عجز المكلف عن صرف قدرته في امتثالهما فلا تكون الأقوائية في الدلالة أو السند موجبة لتقديم أحدهما على الآخر ، بل قد يتقدم أضعفهما دلالة أو سنداً على أقواهما من الجهتين لأهميته بحسب الملاك ، ومن هنا قد تتقدم السنة على الكتاب عند تزاحمهما كما إذا كان مدلولها أهم وأقوى بحسب الملاك ، ومقامنا هذا من هذا القبيل حيث لا تعارض ولا تكاذب بين أدلّة حرمة الغصب وأدلة حرمة استعمال الآنيتين ، فان كلتا الحرمتين ثابتتان في الشريعة المقدّسة إلاّ أن المكلف في خصوص المقام غير قادر على امتثالهما معاً ، لفرض اضطراره إلى الشرب من الآنية المغصوبة أو من آنيتهما ، ومع التزاحم لا قيمة لأقوائية الدلالة أو السند ، هذا.
على أن « لا ينبغي » أو « الكراهة » على ما قدمناه لا يقصران في الدلالة على الحرمة عن قوله : « لا يجوز » أو « لا يحل ». أضف إلى ذلك أن الأدلّة غير منحصرة بالأخبار المشتملة على « لا ينبغي » و « الكراهة » لما تقدّم (١) من أن جملة من الأخبار الواردة هناك تشتمل على لفظة النهي ، فليراجع.
بل الوجه في ذلك أن حقوق الناس أهم من حقوق الله سبحانه ، فكلما دار الأمر بينها وبين حق الله محضاً تقدمت حقوق الناس لأهميتها ، فهي الأولى بالمراعاة عند المزاحمة ، وبما أن حرمة استعمال الآنيتين من حقوق الله المحضة بخلاف حرمة التصرّف في المغصوب ، لأن فيها حق الناس أيضاً ، فلا محالة تتقدّم الحرمة فيه على الحرمة في الآنيتين ، لأن حق الناس إذا كان محرز الأهمية من حق الله سبحانه فلا كلام في تقدّمه ، وإذا كان مشكوك الأهمية فالأمر أيضاً كذلك ، للقطع بعدم الأهمية في حق الله سبحانه ، فهما إما متساويان أو أن حق الناس أهم ، ومع كون أحد المتزاحمين محتمل الأهمية يتقدّم على ما لا يحتمل فيه الأهمية.
__________________
(١) في ص ٢٧٨ الطائفة الاولى.