فضلاً عن أن تكون معتبرة. على أن الأمر بالتجفيف فيه إنما جرى مجرى الغالب لأن تجفيف الإناء بعد غسله أمر غالبي ، فما اعتمدوا عليه في ذلك لا يمكن المساعدة عليه سنداً ودلالة.
ومنها : أن الحكم بلزوم غسل الإناء ثلاثاً أُولاهن بالتراب ، هل هو خاص بما إذا شرب الكلب من الماء أو أنه يعم ما إذا شرب من سائر المائعات ولا يعتبر في ذلك أن يكون السؤر ماء؟ الظاهر عدم الاختصاص ، لأن ذيل صحيحة البقباق المتقدِّمة (١) وإن كان يظهر منه اختصاص الحكم بالماء حيث قال : « واصبب ذلك الماء » إلاّ أن صدرها ظاهر الدلالة على عدم الاختصاص ، لأن السؤال فيها إنما هو عن فضل الهرة والكلب وغيرهما من الحيوانات ، والفضل بمعنى ما يبقى من الطعام والشراب وهو أعم من الماء فالحكم عام لمطلق المائعات. وأما ذيل الصحيحة أعني قوله « واصبب ذلك الماء » فإنّما هو بلحاظ الوضوء ، حيث رتّب عليه عدم جواز التوضؤ به ولأجل بيان ذلك قدّم الأمر بصبّ الماء.
ومنها : معنى التعفير ، وهو الذي أشار إليه بقوله « والأولى أن يطرح إلخ » لأن لفظة التعفير وإن لم ترد في شيء من الأخبار إلاّ أن الصحيحة ورد فيها الأمر بالغسل بالتراب ، ومن هنا لا بدّ من التكلم فيما أُريد منه فنقول :
إنّ الغسل بالتراب إمّا أن يكون بمعنى مسح الإناء بالتراب وإنما استعمل فيه الغسل مجازاً بجامع إزالة الوسخ به ، لأنه كما يزول بالغسل بالماء كذلك يزول بالمسح بالتراب وعلى ذلك فالغسل بالتراب معنى مغاير للغسل بالماء ، فيعتبر في تطهير الإناء حينئذ الغسل أربع مرّات إحداها الغسل بالمعنى المجازي ، وذلك لأن موثقة عمار دلّت على لزوم الغسل ثلاث مرات ، وصحيحة البقباق اشتملت على لزوم الغسل بالتراب ، وقد فرضنا أنه أمر مغاير للغسل حقيقة ، ومقتضى هاتين الروايتين أن الإناء يعتبر في تطهيره الغسل أربع مرات إحداها المسح بالتراب.
وإما أن يكون بمعنى الغسل بالماء باستعانة شيء آخر وهو التراب ، فالباء في قوله :
__________________
(١) في ص ٤١.