يلاقها النجس ، وذلك لأن إذابة الفلز إنما هي غليانه وفورانه ، والغليان هو القلب فان به تتبدل الأجزاء الداخلية خارجية وبالعكس ، ومن هنا قد يشك في أن الجزء المشاهد الخارجي من الأجزاء الظاهرية للفلز حتى يحكم بنجاسته لملاقاته مع النجس قبل إذابته ، أو أنه من الأجزاء الداخلية له ليكون طاهراً ، فمقتضى القاعدة هو الحكم بطهارة ملاقي ذلك الجزء المشكوك طهارته لقاعدة الطهارة أو استصحاب عدم اصابة النجس له. وأما نفس ذلك الجزء فلا يمكن الحكم بطهارته ، لأنه طرف للعلم الإجمالي بالنجس ، حيث إن ما أصابه النجس قبل إذابة الفلز إما أن يكون هو ذلك الجزء الخارجي الذي نشك في طهارته ، وإما أن يكون هو الجزء النازل إلى الجوف بالغليان ، والعلم الإجمالي مانع عن جريان الأُصول في أطرافه.
نعم ، ملاقي أحد أطراف العلم محكوم بطهارته إذ لا مانع من جريان الأُصول فيه لعدم كونه طرفاً للعلم الإجمالي على ما حررناه في بحث الأُصول (١) وذلك لأن الأصل الجاري فيه لا يعارضه شيء من الأُصول الجارية في أطراف العلم في نفسها ، أي مع قطع النظر عن العلم الإجمالي. ودعوى أنه طرف لعلم إجمالي آخر وهو العلم بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر ، مدفوعة بأن العلم الإجمالي الآخر وإن كان موجوداً كما ذكر إلاّ أنه مما لا أثر له لعدم ترتب التنجيز عليه ، فان المدار في تنجيز العلم الإجمالي إنما هو تساقط الأُصول في أطرافه بالمعارضة ، وقد عرفت أن الأصل الجاري في الملاقي غير معارض بشيء ، وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى محله.
فالمتحصل أن الملاقي للجزء المشكوك طهارته محكوم بطهارته بخلاف نفس ذلك الجزء أو غيره من الأجزاء الظاهرية للفلز بعد إذابته. اللهمّ إلاّ أن تكون الأجزاء الباطنية خارجة عن قدرة المكلف ، فإنّه لا مانع حينئذ من جريان الأصل في الأجزاء الظاهرية لعدم معارضته بالأصل في الطرف الخارج عن القدرة. أو يقال بانحلال العلم الإجمالي بخروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء مع تعميمه إلى مثل الأجزاء الداخلية في المقام ، كما عممه أي الخروج عن محل الابتلاء شيخنا الأنصاري
__________________
(١) في مصباح الأُصول ٢ : ٤١٠.