طريقا ، فأخذ كل سبط في طريق ، فكان الماء قد ارتفع(١) وبقيت الارض يابسة طلعت فيها الشمس فيبست كما حكى الله عزوجل : « فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا * لا تخاف دركا ولا تخشى » ودخل موسى وأصحابه البحر ، وكان أصحابه اثني عشر سبطا ، فضرب الله لهم في البحر اثني عشر طريقا ، فأخذ كل سبط في طريق ، وكان الماء قد ارتفع على رؤوسهم مثل الجبال ، فجزعت الفرقة التي كانت مع موسى في طريقه فقالوا : يا موسى أين إخواننا؟ فقال لهم : معكم في البحر ، فلم يصدقوه ، فأمر الله البحر فصارت طاقات حتى كان ينظر بعضهم إلى بعض ويتحدثون ، وأقبل فرعون وجنوده فلما انتهى إلى البحر قال لاصحابه : ألا تعلمون أني ربكم الاعلى قد فرج لي البحر؟ فلم يجسر أحد أن يدخل البحر وامتنعت الخيل منه لهول الماء ، فتقحم فرعون حتى جاء إلى ساحل البحر ، فقال له منجمه : لا تدخل البحر ، وعارضه فلم يقبل منه ، وأقبل على فرس حصان فامتنع الفرس أن يدخل الماء ، فعطف عليه جبرئيل وهو على ماديانة(٢) فتقدمه ودخل ، فنظر الفرس إلى الرمكة فطلبها ودخل البحر واقتحم أصحابه خلفه ، فلما دخلوا كلهم حتى كان آخر من دخل من أصحابه وآخر من خرج من أصحاب موسى أمر الله الرياح فضربت البحر بعضه ببعض ، فأقبل الماء يقع عليهم مثل الجبال ، فقال فرعون عند ذلك : « آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين » فأخذ جبرئيل كفا من حمأة فدسها في فيه ثم قال : « الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ».(٣)
بيان : قال الرازي في قوله : « وما رب العالمين » اعلم أن السؤال بما لطلب الحقيقة وتعريف حقيقة الشئ إما أن يكون بنفس تلك الحقيقة ، أو بشئ منها ، أو بأمر خارج عنها أو بما يتركب من الداخل والخارج ، والاول محال لانه يلزم أن يكون المعرف معلوما قبل أن يكون معلوما ، والثاني مستلزم لتركبه تعالى وهو محال(٤) فثبت أنه لا يمكن تعريفه
_________________
(١) في نسخة : فكان الماء لما ارتفع على رؤوسهم مثل الجبال وقع الشمس في أرض البحر فيبست.
(٢) لفظ عجمى وبالعربية : الرمكة. وهى الفرس أو البرذونة تتخذ للنتاج.
(٣) تفسير القمى : ٤٦٩ ـ ٤٧٣. م
(٤) وكذا الرابع.