ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين » ثم إن يوشع استخلف على قوم فرعون رجلا منهم وعاد إلى موسى بمن معه سالمين غانمين.(١)
تذنيب : قال السيد المرتضى قدسسره : فإن قيل : كيف جاز لموسى أن يأمر السحرة بإلقاء الحبال والعصي وذلك كفر وسحر وتلبيس وتمويه ، والامر بمثله لا يحسن؟ قلنا : لابد من أن يكون في أمره عليهالسلام بذلك شرط ، فكأنه قال : ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين ، وكان فيما تفعلونه حجة ، وحذف الشرط لدلالة الكلام عليه و اقتضاء الحال له ، ويمكن أن يكون على سبيل التحدي بأن يكون دعاهم إلى الالقاء على وجه يساويه فيه ، ولا يخيلون فيما ألقوه السعي والتصرف من غير أن يكون له حقيقة لان ذلك غير مساو لما ظهر على يده من انقلاب الجماد حية على الحقيقة دون التخييل ، وإذا كان ذلك ليس في مقدورهم فإنما تحداهم به ليظهر حجته.(٢)
أقول : يمكن أن يقال : الامر بالسحر إذا كان مشتملا على بيان بطلانه وظهور المعجزة وعدم مبالاته بما صنعوا مع أن القوم لا ينتهون عنه بعدم أمره بل بنهيه أيضا ليس بقبيح ، (٣) فيكن أن يكون مخصصا لعمومات النهي عن الامر بالسحر إن كانت ولو كان لمحض دليل العقل ، فلا يحكم في خصوص تلك الصورة بشئ من القبح ، أو يقال : إنه لم يكن المراد به الامر حقيقة بل كان الغرض عدم خوفه ومبالاته بما سحروا به ، فيمكن إرجاعه إلى أمر التسوية ، وقيل : إنه لم يأمر بالسحر بل بالالقاء وهو أعم منه.
ثم قال السيد : فإن قيل : فمن أي شئ خاف موسى عليهالسلام؟ أوليس خوفه يقتضي شكه في صحة ما أتى به؟ قلنا : إنما رأى من قوة التلبيس والتخييل ما أشفق عنده من وقوع الشبهة على من لم ينعم النظر(٤) فآمنه الله تعالى من ذلك ، وبين له أن حجته ستتضح للقوم بقوله تعالى: « لا تخف إنك أنت الاعلى ». (٥)
_________________
(١) العرائس : ١٢٣ ـ ١٢٦. وفيه : غانمين شاكرين م
(٢) تنزيه الانبياء : ٧٠ ـ ٧١. م
(٣) بل ربما يمكن أن يقال بحسن ذلك ، إذ فيه إبطال الباطل وإرشاد الجاهل إلى بطلان عملهم وأن عمله ليس من سنخ عملهم وسحرهم ، بل هو من عند الله ، وعمله من صنع الله.
(٤) أى لم يحقق النظر فيما صنعوا.
(٥) تنزيه الانبياء : ٧١. م