* * *
*(وفى ذكر النعم (١) التى انعم الله تعالى على بنى اسرائيل في التيه)*
قال الله سبحانه : « يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الذي أنعمت عليكم » أي على أجدادكم وأسلافكم ، وذلك أن الله سبحانه وتعالى فلق البحر لهم ، وأنجاهم من فرعون ، و أهلك عدوهم ، وأورثهم ديارهم وأموالهم ، وأنزل عليهم التوراة فيها بيان كل شئ يحتاجون إليه ، وأعطاهم ما أعطاهم في التيه ، وذلك أنهم قالوا لموسى في التيه : أهلكتنا وأخرجتنا من العمران والبنيان إلى مفازة لا ظل فيها ولاكن(٢) فأنزل الله تعالى عليهم غماما أبيض رقيقا وليس بغمام المطر أرق وأطيب(٣) وأبرد منه فأظلهم ، وكان يسير معهم إذا ساروا ، ويدوم عليهم (٤) من فوقهم إذا نزلوا ، فذلك قوله تعالى : « وظللنا عليكم الغمام » يعني في التيه تقيكم من حر الشمس ، ومنها أنه جعل لهم عمودا من نور يضئ لهم بالليل إذا لم يكن ضوء القمر ، فقالوا : هذا الظل والنور قد حصل فأين الطعام؟ فأنزل الله تعالى عليهم المن ، واختلفوا فيه فقال مجاهد : هو شئ كالصمغ كان يقع على الاشجار وطعمه كالشهد ، وقال الضحاك : هو الترنجبين ، وقال وهب : هو الخبز الرقاق ، وقال السدي : هو عسل كان يقع على الشجر من الليل فيأكلون منه ، وقال عكرمة : هو شئ أنزله الله عليهم مثل الرب الغليظ ، وقال الزجاج : جملة المن ما يمن الله به مما لا تعب فيه ولا نصب ، كقول النبي صلى الله عليه وآله : « الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين (٥) » قالوا : وكان ينزل عليهم هذا المن كل ليلة يقع على أشجارهم مثل الثلج ، لكل إنسان منهم صاع كل ليلة ، فقالوا : يا موسى قتلنا هذا المن حلاوته فادع لنا ربك يطعمنا اللحم ، فدعا موسى عليهالسلام فأنزل الله عليهم السلوى.
_________________
(١) في المصدر : باب في ذكر النعم.
(٢) الكن بالكسر : البيت. وقاء كل شئ وستره.
(٣) في المصدر : بل أرق وأطيب.
(٤) في المصدر : وتدور عليهم.
(٥) تقدم من اليعقوبى أنه كان مثل حب الكسبرة كانوا يطحنونه ويجعلونه ارغفة.