واختلفوا فيه : فقال ابن عباس وأكثر الناس : هو طائر يشبه السمانى ، وقال أبوالعالية ومقاتل : هي طير حمر بعث الله سبحانه سحابة فمطرت السمانى عليهم في عرض ميل(١) وقدر طول رمح في السماء بعضها على بعض وكانت السماء تمطر عليهم ذلك ، وقيل : كانت طيرا مثل فراخ الحمام طيبا وسمنا قد تمعط(٢) ريشها وزغبها فكانت الريح تأتي بها إليهم فيصبحون وهو في معسكرهم ، وقيل : إنها طير كانت تأتيهم فتسترسل لهم فيأخذونها بأيديهم ، وقال عكرمة : هي طير تكون بالهند أكبر من العصفور ، وقيل : (٣) هو العسل بلغة كنانة ، فكان الله تعالى يرسل عليهم المن والسلوى فيأخذ كل واحد منهما(٤) ما يكفيه يوما وليلة ، فإذا كان يوم الجمعة أخذ ما يكفيه يومين ، لانه لم يكن ينزل عليهم يوم السبت ، فذلك قوله تعالى : « وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا » أي وقلنا لهم : كلوا « من طيبات » حلالات « ما رزقناكم » ولا تدخروا لغد ، فخبوا لغد وتدود وفسد ما ادخروا وقطع الله عنهم ذلك ، قال الله تعالى : « وما ظلمونا » أي ما يضرونا بالمعصية ومخالفة الامر « ولكن كانوا أنفسهم يظلمون » يضرون باستيجابهم قطع مادة الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا مؤونة ولا مشقة في الدنيا ، ولا حساب ولا تبعة في العقبى.
ومنها أنهم عطشوا في التيه فقالوا : يا موسى من أين لنا الشراب؟ فاستسقى لهم موسى عليهالسلام فأوحى الله سبحانه إليه : « أن اضرب بعصاك الحجر » واختلف العلماء فيه فقال وهب : كان موسى عليهالسلام يقرع لهم أقرب حجر من عرض الحجارة فتنفجر عيونا ، لكل سبط عين ، وكانوا اثني عشر سبطا ، ثم تسيل كل عين في جدول إلى سبط ، فقالوا : إن فقد موسى عصاه متنا عطشا ، فأوحى الله عزوجل إلى موسى : لا تقرعن الحجارة بالعصا ولكن كلمها تطعك لعلهم يعتبرون ، وكان يفعل ذلك ، فقالوا : كيف بنا لو افضينا إلى الوحل وإلى الارض التي ليست فيها حجارة؟ فأمر موسى فحمل معه حجرا فحيث ما نزلوا ألقاه.
_________________
(١) هكذا في النسخ وفيه تصحيف ، والصواب ما في المصدر وهو هكذا : هو طير أحمر بعثه الله عليهم فأمر به السماء في عرض ميل.
(٢) أى تساقط. والزغب : أول ما يبدو من الريش أو الشعر.
(٣) في المصدر : وقال المؤرخ ، وهو وهم والصحيح « مؤرج » بالجيم ، وهو عمرو بن الحارث أبوفيد السدوسى ، سمى بذلك لتأريجه الحرب بين بكر وتغلب.
(٤) في المصدر : وكان أحدهم يأخذ ما يكفيه يومه وليلته.