فذهب قارون مغاضبا ، واعتزل موسيل بأتباعه ، وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما ، وهو يؤذيه في كل وقت ، ولا يزيد كل يوم إلا كبرا ومخالفة ومعاداة لموسى عليهالسلام حتى بنى دارا وجعل بابها من الذهب ، وضرب على جدرانها صفائح الذهب وكان الملا من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه.
قال ابن عباس : ثم إن الله سبحانه وتعالى أنزل الزكاة على موسى عليهالسلام فلما أوجب الله سبحانه الزكاة عليهم أبى قارون فصالحه عن كل ألف دينار على دينار ، وعن كل ألف درهم على درهم ، وعن كل ألف شاة على شاة ، وعن كل ألف شئ شيئا ، ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده كثيرا فلم تسمح بذلك نفسه فجمع بني إسرائيل وقال لهم : يا بني إسرائيل إن موسى قد أمركم بكل شئ فاطعتموه ، وهو الآن يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا له : أنت كبيرنا وسيدنا فمرنا بما شئت ، فقال : آمركم أن تجيؤوا بفلانة البغي فنجعل لها جعلا على أن تقذفه بنفسها ، فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل ورفضوه فاسترحنا منه ، فأتوا بها فجعل لها قارون ألف درهم ، وقيل ألف دينار ، وقيل طستا من ذهب ، وقيل : حكمها وقال لها : إني امولك(١) واخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غدا إذا حضر بنو إسرائيل ، فلما أن كان الغد جمع قارون بني إسرائيل ، ثم أتى موسى ، فقال له : إن بني إسرائيل قد اجتمعوا ينتظرون خروجك لتأمرهم و تنهاهم وتبين لهم أعلام دينهم وأحكام شريعتهم ، فخرج إليهم موسى وهم في براح(٢) من الارض ، فقام فيهم خطيبا ووعظهم فيما قال : (٣) يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ، و من افترى جلدناه ثمانين ، ومن زنا وليست له امراة جلدناه مائة ، ومن زنا وله امرأة رجمناه حتى يموت ، فقال له قارون : وإن كنت أنت؟ قال : وإن كنت أنا ، قال قارون : فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة ، قال : أنا؟! قال : نعم ، قال : ادعوها ، فإن قالت فهو كما قالت ، فلما أن جاءت قال لها موسى : يا فلانة إنما أنا فعلت لك(٤) ما
_________________
(١) في المصدر : أنا أمؤنك.
(٢) البراح بفتح الراء : المتسع من الارض لا شجر فيه ولا بناء.
(٣) في المصدر : وقال فيما قال.
(٤) في المصدر : يا فلانة أنا فعلت بك.