بقرتين مثل بقرتك فلم يفعل الفتى ، وقال : اذهب فتوكل على الله ، ولو علم الله تعالى منك اليقين لبلغك بلا زاد ولا راحلة ، فقال إبليس : إن شئت فبعنيها بحكمك ، وإن شئت فاحملني عليها واعطيك عشرة مثلها ، (١) فقال الفتى : إن امي لم تأمرني بهذا ، فبين الفتى كذلك إذ طار طائر من بين يدي البقرة ونفرت البقرة هاربة في الفلاة ، وغاب الراعي ، فدعاها الفتى باسم إله إبراهيم فرجعت البقرة إليه ، فقالت : أيها الفتى البار بوالدته ألم تر إلى الطائر الذي طار ، فإنه إبليس عدو الله اختلسني ، أما إنه لو ركبني لما قدرت علي أبدا ، فلما دعوت إله إبراهيم جاء ملك فانتزعني من يد إبليس وردني إليك لبرك بامك وطاعتك لها ، فجاء بها الفتى إلى امه فقالت له : إنك فقير لا مال لك ، ويشق عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل ، فانطلق فبع هذه البقرة وخذ ثمنها ، قال لامه : بكم أبيعها؟ قالت : بثلاثة دنانير ولا تبعها بغير رضاي ومشورتي ، وكان ثمن البقرة في ذلك الوقت ثلاثة دنانير ، فانطلق بها الفتى إلى السوق فعقبه الله(٢) سبحانه ملكا ليري خلقه قدرته ، وليختبر الفتى كيف بره بوالدته ، وكان الله به خبيرا ، فقال له الملك : بكم تبيع هذه البقرة؟ قال : بثلاثة دنانير ، وأشترط عليك رضى امي ، فقال له الملك : ستة دنانير ولا تستأمر امك ، فقال الفتى : لو أعطيتني وزنها ذهبا لم آخذه إلا برضى امي ، فردها إلى امه وأخبرها بالثمن ، فقالت : ارجع فبعها بستة دنانير على رضى مني ، فانطلق الفتى بالبقرة إلى السوق فأتى الملك فقال : استأمرت والدتك؟ فقال الفتى : نعم إنها أمرتني أن لا انقصها من ستة دنانير على أن أستأمرها ، قال الملك : فإني اعطيك اثني عشر(٣) على أن لا تستأمرها ، فأبى الفتى ورجع إلى امه وأخبرها بذلك ، فقالت : إن ذاك الرجل الذي يأتيك هو ملك من الملائكة يأتيك في صورة آدمي ليجربك ، فإذا أتاك فقل له : أتأمرنا أن نبيع هذه البقرة أم لا؟ ففعل ذلك فقال له الملك : اذهب إلى امك وقل لها : امسكي هذه البقرة فإن موسى يشتريها منكم لقتيل يقتل في بني إسرائيل فلا تبيعوها إلا بملء مسكها دنانير ، فأمسكا البقرة وقدر الله تعالى على بني إسرائيل ذبح تلك البقرة بعينها مكافاة على بره بوالدته ،
_________________
(١) في المصدر : عشرة أمثالها.
(٢) في المصدر : فبعث الله.
(٣) في المصدر : اثنى عشر دينارا.