الناس فتكون أنت الذي شتمت أبويك ، (١) يا بني لا يعجبك إحسانك ، ولا تتعظمن بعملك الصالح فتهلك ، يا بني أقم الصلاة ، وأمر بالمعروف ، وانه عن المنكر ، واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الامور ، يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ، يا بني ولا تمش في الارض مرحا إنك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا ، يا بني إن كل يوم يأتيك يوم جديد يشهد عليك عند رب كريم ، يا بني إنك مدرج(٢) في أكفانك ومحل قبرك ، ومعاين عملك كله ، يا بني كيف تسكن دار من أسخطته؟ أم كيف من قد عصيته؟(٣) يا بني عليك بما يعنيك ، ودع عنك مالا يعنيك ، فإن القليل منها(٤) يكفيك ، والكثير منها لا يعنيك ، يا بني لا تؤثرن على نفسك سواها ، (٥) ولا تورث مالك أعداءك ، (٦) يا بني إنه قد احصي الحلال الصغير فكيف بالحرام الكثير؟ يا بني اتق النظر إلى مالا تملكه ، وأطل التفكر في ملكوت(٧) السماوات والارض والجبال وما خلق الله ، فكفى بهذا واعظا لقلبك ، يا بني اقبل وصية الوالد الشفيق ، يا بني بادر بعملك قبل أن يحضر أجلك وقبل أن تسير الجبال سيرا ، وتجمع الشمس والقمر ، وتغير السماء وتطوى ، وتنزل الملائكة صفوفا خائفين حافين مشفقين ، وتكلف أن تجاوز الصراط ، وتعاين حينئذ عملك وتوضع الموازين وتنشر الدواوين ، يا بني تعلمت سبعة آلاف من الحكمة فاحفظ منها أربعا ومر معي إلى الجنة : احكم سفينتك فإن بحرك
_________________
(١) فانهم بشتمك اياهم شتموهما.
(٢) درج الثوب أو الكتاب أو غيرهما : طواه ولفه ، أدرج الشئ في الشئ : أدخله و ضمنه.
(٣) لا تخلو عن سقط أو تصحيف.
(٤) مرجع الضمير غير مذكور في الكلام ، ولعله هو الدنيا ، وارجاعه إلى ( ما ) لا يخلو عن تكلف.
(٥) ترغيب في فعل المعروف ، وأن الانسان جدير بأن يصرف أمواله فيما يحسنه ، لا أن يجمعه ويتركه للوراث.
(٦) أى أولادك للاية الكريمة ، كذا قيل منه رحمهالله. قلت : بل الوراث مطلقا.
(٧) الملكوت : الملك العظيم ، العز والسلطان ، والملكوت السماوى : هو محل القديسين في السماء. قلت : لا يبعد أن يكون المراد منه هو الكرات الكثيرة في الجو التى تدل على عظمته وسلطانه وسعة ملكه تعالى وتقدس.