أي من أوطاننا وأهالينا بالسبي والقهر على نواحينا « تولوا » أي أعرضوا عن القتال(١) « إلا قليلا منهم » وهم الذين عبروا النهر « قد بعث لكم طالوت ملكا » أي جعله ملكا ، وهو من ولد بنيامين ، ولم يكن من سبط النبوة ولا من سبط المملكة ، وسمي طالوت لطوله ، ويقال : كان سقاء ، وقيل : خربندجا ، (٢) وقيل : دباغا ، وكانت النبوة في سبط لاوي ، والمملكة في سبط يهودا ، وقيل : في سبط يوسف ، وقيل : بعثه نبيا بعد أن جعله ملكا « وزاده بسطة » أي فضيلة وسعة « في العلم والجسم » وكان أعلم بني إسرائيل في وقته وأجملهم وأتمهم وأعظمهم جسما وأقواهم شجاعة ، وقيل : كان إذا قام الرجل فبسط يده رافعا لها نال رأسه ، قال وهب : كان ذلك قبل الملك وزاده ذلك بعد الملك(٣) « فلما فصل » أي خرج من مكانه وقطع الطريق بالجنود ، اختلف في عددهم قيل : كانوا ثمانين ألف مقاتل ، وقيل : سبعين ألفا ، وذلك أنهم لما رأوا التابوت أيقنوا بالنصر فتبادروا إلى الجهاد « قال » يعني طالوت « إن الله مبتليكم بنهر » أي ممتحنكم ومختبركم ، وكان سبب ابتلائهم شكايتهم عن قلة الماء وخوف التلف من العطش ، وقيل : إنما ابتلوا ليشكروا فيكثر ثوابهم(٤) واختلف في النهر فقيل : هو نهر بين الاردن وفلسطين ، وقيل : نهر فلسطين « فليس مني » أي من أهل ولايتي وممن يتبعني « ومن لم يطعمه » أي لم يجد طعمه ولم يذق منه « إلا من اغترف غرفة بيده » أي إلا من أخذ من الماء مرة واحدة باليد ، ومن قرأ غرفة بالضم ـ وهو غير ابن كثير وأبوعمرو وأهل المدينة ـ فمعناه : إلا من شرب
_________________
(١) في المصدر : أعرضوا عن القيام به وضيعوا أمر الله.
(٢) معرب « خربنده » كلمة فارسية معناها : الحمار ، مكرى الحمار.
(٣) قال الطبرسى في المجمع : وفيها دلالة على أن من شرط الامام أن يكون أعلم من رعيته وأكمل وافضل في خصال الفضل والشجاعة ، لان الله علل تقديم طالوت عليهم بكونه اعلم واقوى ، فلولا ان ذلك شرط لم يكن له معنى. قلت : مما لا يشك فيه احد من امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ان امير المؤمنين عليهالسلام كان بعد النبى صلى الله عليه وآله وسلم افضل الصحابة علما وتقوى ، واشجعهم واقواهم في دين الله واقضاهم ، فالاية تدل على انه الوصى والخليفة بعده بلا ارتياب.
(٤) في المصدر : انما ابتلوا بذلك ليصبروا عليه فيكثرثوا بهم ويستحقوا به النصر على عدوهم وليتعودوا الصبر على الشدائد فيصبروا عند المحاربة ولا ينهزموا.