حقّقناه في محلِّه من أن الجمع بين المطلق والمقيد بحمل الثاني على أفضل الأفراد خلاف القاعدة وما هو المتفاهم العرفي من الدليلين ، فإن القاعدة تقتضي حمل المطلق على المقيد كما عرفت.
الثالث : أن يحمل مقدّم الرأس على الناصية ويقال : إن الناصية ومقدّم الرأس عبارتان عن أمر واحد وليسا بأمرين مختلفين ، إذن فلا تعارض بين الطائفتين ، وذلك لأن الناصية كما ذكره صاحب القاموس من أحد معاني المقدمة (١) ، وعليه يكون مقدّم الرأس مجملاً لم يعلم المراد منه ، وهل أُريد به ما يقع في مقابل المؤخر أو أريد منه خصوص الناصية ، ولكن الناصية مبيّنة فيحمل المجمل على المبيّن.
الرابع : عكس الثالث ، وهو حمل الناصية على مقدّم الرأس ، بأن يقال إن الناصية أمر مجمل فيحتمل أن يراد بها المقدم كما يحتمل إرادة خصوص ما بين النزعتين فتحمل المجمل على المبين ويقال إن المراد بالناصية مقدم الرأس ، هذا.
ولا يخفى أنّ الأولى إذا بنينا على عدم التعارض بين الطائفتين هو الاحتمال الرابع بل هو المتعيّن على كل حال ، وذلك لأنّ مقدّم الرأس مفهوم مبيّن لا إجمال فيه إذ المقدّم من كل شيء إنما هو ما يقابل سائر الجهات من المؤخر والأيمن والأيسر والناصية مجملة لم يظهر المراد بها فنحملها على مقدم الرأس.
وأمّا ما تقدّم عن القاموس من أن الناصية من معاني المقدّمة ، ففيه أوّلاً : أن ما ذكره صاحب القاموس خارج عما هو محل الكلام ، لأنه إنما يفسر مطلق المقدّم والمقدّمة ، ولم يفسر المتقدِّم المضاف إلى الرأس بالناصية.
وثانياً : أن من المحتمل قوياً أن يكون مراد صاحب القاموس من ذلك أن مجموع الجبهة والناصية من أحد معاني المقدمة ، لا الناصية فحسب ، لأنهما من الإنسان بمنزلة مقدّمة الجيش للعسكر ، ويشهد على ذلك ما ذكره في محكي عبارته حيث قال : مقدّمة الجيش متقدموه ، ومن الإبل أوّل ما ينتج ويلقح ، ومن كل شيء أوّله والناصية والجبهة (٢) انتهى. وظاهر كلمة « واو » هو الجمع ، ولم يظهر أنه أراد منها « أو » وكيف
__________________
(١) القاموس المحيط ٤ : ١٦٢.
(٢) القاموس المحيط ٤ : ١٦٢.