عند الاضطرار ، وليس المرتفع في حديث الرفع خصوص المؤاخذة أو استحقاق العقاب ، لأنهما أمران خارجان عما تناله يد الجعل والتشريع رفعاً ووضعاً ، ولا مناص من أن يكون المرفوع أمراً تناله يد التشريع وهو منشأ لارتفاع المؤاخذة واستحقاق العقاب وليس هذا إلاّ الإلزام ومع ارتفاعه يبقى الفعل على إباحته.
كما أن الأمر كذلك عند الإتيان بالمحرم أو ترك الواجب تقيّة ، حيث إن التقيّة واجبة كما عرفت ومع وجوبها لا يعقل أن يكون الفعل باقياً على حرمته أو وجوبه ، بل ترتفع حرمته إذا أتى به تقيّة كما يرتفع وجوبه إذا تركه كذلك ، بل هذا هو المقدار المتيقن من حديث الرفع وغيره من أدلّة التقيّة ، وهذا ظاهر.
وأمّا الجهة الثانية : فالذي تقتضيه القاعدة في نفسها ، أن العمل الاضطراري أو الذي أتى به تقيّة كلا عمل ، لأنه معنى رفعه فكأنه لم يأت به أصلاً ، كما أنه لازم كون العمل عند التقيّة من الدين ، فاذا كان الحال كذلك فترتفع عنه جميع آثاره المترتبة عليه لارتفاع موضوعها تعبداً ، فلا تجب عليه الكفارة إذا أفطر في نهار شهر رمضان متعمداً ، لأن إفطاره كلا إفطار ، أو لأن إفطاره من الدين ولا معنى لوجوب الكفّارة فيما يقتضيه الدين والتشريع.
هذا كلّه فيما تقتضيه القاعدة ، فلو كنّا نحن وهذه القاعدة لحكمنا بارتفاع جميع الآثار المترتبة على الفعل عند التقيّة والاضطرار ، سواء أكانت الآثار حكماً تكليفياً أم كانت حكماً وضعياً.
ويؤيد ذلك صحيحة أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن صفوان وأحمد بن محمد بن أبي نصر جميعاً عن أبي الحسن عليهالسلام « في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك؟ فقال : لا ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وضع عن أُمتي ما اكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما أخطأوا » (١) لأن الحلف بالأُمور المذكورة وإن لم يكن صحيحاً حال الاختيار أيضاً ، إلاّ أن قوله ( عليه
__________________
(١) الوسائل ٢٣ : ٢٢٦ / أبواب كتاب الايمان ب ١٢ ح ١٢.