فالمتحصل إلى هنا : أنه لا دلالة في شيء من الأخبار المتقدمة على وجوب إتيان العمل فاقداً لشرطه أو لجزئه أو مقترناً بمانعه إذا استند إلى التقيّة حتى لا يجب إعادته أو قضاؤه.
ما يُستفاد من الأخبار الآمرة بالتقيّة :
إذن لا بدّ من عطف عنان الكلام إلى أنه هل يستفاد من الأخبار الآمرة بالتقية صحّة العمل لدى الإتيان به فاقداً لشيء من أجزائه وشرائطه أو واجداً لشيء من موانعه للتقيّة أو لا يستفاد منها ذلك؟ فنقول :
الصحيح أن يقال : إن الاضطرار إذا كان مستنداً إلى غير جهة التقيّة المصطلح عليها ، وهي التقيّة من العامة فيما يرجع إلى الأُمور الدينية ، فمقتضى القاعدة حينئذٍ سقوط الأمر بالمركب عند الاضطرار إلى ترك شيء مما اعتبر في المأمور به ، لأن ذلك مقتضى إطلاق أدلة الجزئية والشرطية أو المانعية ، وهو يشمل كلا من صورتي التمكن من الإتيان بها وعدمه ، وبما أن المكلف غير متمكن من إتيان العمل واجداً لشرطه أو جزئه أو فاقداً لمانعه ، فلا محالة يسقط الأمر بالمركب رأساً في حقه فلا يجب عليه شيء وقتئذٍ ، إلاّ في خصوص الصلاة فيما إذا لم يتمكن من شيء من أجزائها وشرائطها في غير الطهور فإنه يجب فيها الإتيان بالمقدار الممكن من الصلاة لأنها لا تسقط بحال.
وأمّا إذا كان الاضطرار من جهة التقيّة المصطلح عليها ، فان كان العمل المتقى به مورداً للأمر به بالخصوص في شيء من رواياتنا كما في غسل الرجلين والغسل منكوساً وترك القراءة في الصلاة خلفهم ونحو ذلك مما ورد فيه الأمر بالعمل بالخصوص ، فلا ينبغي الإشكال في صحته بل وإجزائه عن المأمور به الواقعي بحيث لا تجب عليه الإعادة ولا القضاء ، وذلك لأن الظاهر من الأمر بالإتيان بالعمل الفاقد لبعض الأُمور المعتبرة في المأمور به إنما هو جعل المصداق للطبيعة المأمور بها تقيّة ، ومع جعل الشارع شيئاً مصداقاً للمأمور به لا بدّ من الحكم بسقوط الأمر المتعلق بالطبيعة