طاهر ، لأنه لا يحكم عند استناد ذلك إلى الاضطرار بارتفاع نجاسة الملاقي لحديث الرفع ، لأنها لم تترتب على فعل المكلف بما هو فعله ، بل إنما ترتبت على ملاقاة النجس وهي قد تكون من فعله وقد تكون من أمر آخر (١).
الجهة الخامسة : أن ما ذكرناه آنفاً من أن العمل المأتي به تقيّة محكوم بالصحة والإجزاء بمقتضى السيرة العملية أو الأدلة اللفظية المتقدمة ، إنما هو فيما إذا أتى المكلف بعمل في مقام الامتثال ولكنه كان ناقصاً لافتقاده جزءاً أو شرطاً أو لاشتماله على مانع تقيّة ، وحينئذٍ يأتي ما ذكرناه من أنه يجزئ عن العمل التام بمقتضى السيرة أو بحسب الأدلة اللفظية ، وأما إذا أدت التقيّة إلى ترك العمل برمته ، كما إذا ترك الصلاة مثلاً تقيّة فلا ينبغي الإشكال حينئذٍ في وجوب الإتيان بالمأمور به الأوّلي بعد ذلك في الوقت إن كان باقياً وفي خارجه إذا كانت التقيّة مستوعبة للوقت ، فان ترك العمل لا يجزئ عن العمل ، وهذا بحسب الكبرى مما لا إشكال فيه عند الأعلام.
وإنما وقع الكلام في بعض تطبيقاتها ومصاديقها ، كما إذا حكم الحاكم بثبوت الهلال فاضطر المكلف إلى أن يظهر موافقته لحكمه فأفطر في ذلك اليوم تقيّة ، فقد يقال وقتئذٍ إن ذلك من باب ترك العمل الواجب وهو الصوم من أجل التقيّة ، وقد قدمنا أن الإجزاء والصحّة إنما يأتيان فيما إذا أتى المكلف بعمل ناقص في مقام الامتثال ، فإنه يجزئ عن المأمور به التام بحسب الأدلّة التي قد عرفتها ، وأما ترك المأمور به رأساً فهو لا يجزئ عن الواجب بوجه ، فيجب قضاء ذلك اليوم الذي ترك فيه الصيام تقيّة.
ويستشهد على ذلك برواية داود بن الحصين عن رجل من أصحابه عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال وهو بالحيرة في زمان أبي العباس : « إني دخلت عليه وقد شكّ الناس في الصوم وهو والله من شهر رمضان فسلمت عليه ، فقال : يا أبا عبد الله صمت اليوم؟ فقلت : لا ، والمائدة بين يديه قال : فادن فكل ، قال : فدنوت فأكلت ، قال : وقلت : الصوم معك والفطر معك ، فقال الرجل لأبي عبد الله عليهالسلام تفطر يوماً
__________________
(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٦٩.