به وترك الوقوف يوم التاسع فقد أتى بما وجب عليه في ذلك وهو الحج من دون اعتبار الوقوف فيه يوم التاسع ، وغاية الأمر أنه عصى وارتكب الحرام لعدم عمله بالتقية بالوقوف يوم الثامن إظهاراً للموافقة معهم ، إلاّ أن عصيانه من تلك الجهة غير موجب لبطلان حجّه بوجه بعد ما فرضناه من مطابقته لما هو الواجب عليه حينئذٍ.
ودعوى أن حجه عند اضطراره إلى إظهار الموافقة معهم قد قيد بالوقوف معهم يوم الثامن ، وبما أنه لم يأت بالوقوف في ذلك اليوم كما لم يأت به بعده فلا محالة يقع عمله باطلاً ، لعدم اشتماله لما هو المعتبر حينئذٍ من الوقوف يوم الثامن مثلاً ، مندفعة بأن غاية ما يستفاد من الأدلة الآمرة بالتقيّة وأنه لا دين لمن لا تقيّة له أو لا إيمان له وأمثال ذلك ، أن التقيّة وإظهار الموافقة معهم واجبة وأن تركها أمر غير مشروع ، وأمّا أن عمله مقيّد ومشروط بما يراه العامّة شرطاً أو جزءاً للعمل فهو مما لم يقم عليه دليل. وعلى الجملة مقتضى سقوط الجزئية والشرطية والمانعية إنما هو الحكم بصحّة العمل عند ما ترك المكلف قيده وشرطه رأساً ولم يأت به على نحو يوافق مذهب العامّة ولا على نحو تقتضيه الوظيفة الواقعية.
الصورة الثانية : ما إذا ترك المكلف العمل على طبق مذهبهم وأتى به على طبق الوظيفة الواقعية فيما تقتضي التقيّة إظهار الموافقة معهم ، وهذا قد يتصوّر في المعاملات بالمعنى الأعم أو بالمعنى الأخص ، وقد يتصوّر في العبادات.
أمّا ترك العمل بالتقية في المعاملات والإتيان بها حسبما يقتضيه الحكم الواقعي ، كما إذا فرضنا أن التقيّة اقتضت الطلاق من غير شهادة العدلين والمكلف قد ترك التقيّة وطلّق زوجته عند العدلين وشهادتهما ، فلا ينبغي الإشكال في وقوع المعاملات صحيحة عندئذٍ ، لأن ترك التقيّة وإن كان محرماً كما عرفت إلاّ أن النهي في المعاملات لا بعنوانها بل بعنوان آخر لا دلالة له على الفساد ، وحيث إن المعاملة مشتملة على جميع القيود والشروط فلا محالة تقع المعاملة صحيحة وإن كان المكلف قد ارتكب معصية كما عرفت.