كان واجداً للماء لغير وضوء الصلاة غير أن فرضه هو التيمم دون الوضوء.
وذلك لأن كلاًّ من الأمر بالوضوء والأمر بالتيمم في الآية المباركة أمر غيري ومقدّمة للصلاة ، فقد قال عزّ من قائل ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) إلى أن قال ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) ( ... فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (١) وقد استفدنا من ذكر المريض في الآية المباركة أن المراد بالوجدان هو التمكن من استعمال الماء ، فاذا فرضنا أن المكلف يتمكن من استعماله لوضوء الصلاة إذن يجب عليه الوضوء ، فاذا لم يتمكن من استعماله لوضوء الصلاة ففرضه ينتقل إلى التيمّم ، وإن كان واجداً للماء بالوجدان ومتمكناً من استعماله في غير وضوء الصلاة ، وحيث إن المفروض عدم تمكن المكلف من استعمال الماء لوضوء الصلاة عند ضيق الوقت فلا محالة يشرع في حقه التيمم كما أشرنا إليه ، هذا كلّه في هذه الجهة.
الجهة الثانية : أنه بعد الفراغ في الجهة المتقدمة عن أن ضيق الوقت من مسوغات التيمم ، يقع الكلام في أن الوقت إذا ضاق بحيث لو توضأ لم يتمكن إلاّ من إيقاع ركعة واحدة منها في وقتها ووقعت البقية في خارج الوقت ، فهل يسوغ له أن يتيمم حتى يوقع الصلاة بتمام أجزائها في وقتها ، أو يجب عليه أن يتوضأ وإن لم يدرك من الوقت إلاّ ركعة واحدة ، لأن من أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة كلها في وقتها ، فكأنه متمكن من أن يتوضأ ويأتي بجميع أجزاء الصلاة في وقتها؟
التحقيق هو الأوّل ، وذلك لأن الله سبحانه قد قسم المكلفين على قسمين وهما واجد الماء وفاقده ، وأوجب عليهما ثمان ركعات مثلاً فيما بين المبدأ والمنتهى ، أعني ما بين الدلوك والغروب ، فمن تمكن من استعمال الماء لأجل الصلاة فيما بين الحدين وجب عليه الوضوء ، ومن لم يتمكن من استعماله لأجلها ما بين الحدين فقد وجب عليه التيمّم. وحيث إن المكلف لا يتمكّن من استعمال الماء لأجل إيقاع الصلاة بأسرها في الوقت فلا جرم وجب عليه التيمّم. اللهمّ إلاّ أن يكون التيمّم أيضاً
__________________
(١) المائدة ٥ : ٦.