ولكنّها قاصرة الدلالة على المدعى ، لأن ظاهرها هو الاستعانة بالغير في نفس العمل والوضوء دون مقدّماته ، لأن المشاركة لا تطلق على مجرّد الإعانة في المقدّمات فلا يصح أن يقال لمن هيأ الدواة والقرطاس أنه شارك الكاتب فيما كتبه ، ولا يقال للخياط أنه شارك اللابس في لبسه الثياب. فالمشاركة إنما يصح إطلاقها فيما إذا أعان الفاعل في نفس العمل بأن صدر الفعل من اثنين معاً ، ولا إشكال في بطلان الوضوء بذلك ، لأنه خلاف الأدلّة المتقدِّمة الدالّة على اعتبار المباشرة في الواجبات.
ويؤيد ذلك الفقرة الأخيرة من الرواية ، حيث إن مشاركة الغير في الصدقة إنما تتصوّر بإعطاء الفلوس مثلاً لذلك الغير حتى هو يوصله إلى يد السائل وهو الشركة في نفس العمل والاستنابة فيه.
وهذا قرينة على أن المراد من الفقرة الأُولى أيضاً هو ذلك ، ولا إشكال في أن الشركة في نفس الوضوء والاستنابة فيه موجبان للبطلان.
فالمتحصل إلى هنا أن الحكم بكراهة الاستعانة بالغير في المقدّمات مشكل جدّاً ولم يدلنا على كراهيتها دليل. مضافاً إلى القطع بأنه لا خصوصية للوضوء من بين العبادات ، فلو كانت الاستعانة في مقدماته مكروهة لكرهت الاستعانة في مقدّمات مثل الحج والصلاة والصوم والجهاد أيضاً ، وهذا مما لا يلتزم به القائل بكراهة الاستعانة في مقدّمات الوضوء ، وتخصيص الوضوء بذلك من بين العبادات مما لا مخصّص له.
ثم إنه قد ظهر مما بيّناه في المقام أن الأخبار المستدل بها على الكراهة في الاستعانة بالغير في مقدمات الوضوء غير قابلة للاعتماد عليها عند الاستدلال ، لضعفها من جهتي السند والدلالة معاً ، وأنه ليست المناقشة فيها منحصرة بضعف السند فحسب
__________________
كل من وقع في سلسلة أسانيد ذلك الكتاب ولم يضعف بتضعيف معتبر ، إذن على هذا المسلك يكون النوفلي ممن وثقه ابن قولويه ، وحيث لم يضعف بتضعيف معتبر فلا بدّ أن يحكم بوثاقة الرواية في المقام.