وما لا يظهر من الشّفتين بعد الانطباق من الباطن فلا يجب غسله (١).
______________________________________________________
أعني الوسطى والإبهام عرضاً ، ومن القصاص إلى الذقن طولاً ، ولكن شككنا في أن صب كف من الماء مثلاً من أعلى الوجه وإمرار اليد عليه هل يكفي في حصول غسل ذلك المحدود أو لا يغسل به إلاّ المقدار الأقل منه ، فالأصل الجاري وقتئذٍ ليس إلاّ قاعدة الاشتغال ، وذلك لأن الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، فلا بدّ من غسل شيء من أطراف الحد ولو يسيراً حتى يقطع بحصول غسل المحدود ، فإن صبّ الماء من أعلى الوجه وإمرار اليد عليه لا يمكن عادة ولا يتحقّق به غسل المحدود من دون زيادة أو نقيصة ، بل إمّا أن يغسل شيئاً زائداً عليه ولو يسيراً حتى نقطع بالفراغ ، وإما أن يغسل بمقدار يشك في أنه بمقدار المحدود أو أقل ، فالأمر يدور بين الوجهين. وأما غسله بمقدار المحدود على وجه طابق النعل بالنعل من دون أن يزيد أو ينقص فلا يتيسر عادة ، كما هو الحال في جميع التحديدات المكانية ، ومع دوران الأمر بين الوجهين المذكورين يتعيّن الوجه الأول لا محالة ، قضاء لقاعدة الاشتغال كما مرّ.
ومن هنا يظهر أن المراد بوجوب غسل شيء من أطراف الحد من باب المقدّمة كما في المتن ، إنما هو وجوب غسل شيء من أطراف المحدود من باب المقدّمة العلمية لا مقدّمة الوجود ، كما التزموا به في جملة من الموارد ، منها : الطواف الذي يجب الابتداء به من محاذاة الحجر الأسود وينتهي في محاذاته ، فقالوا إنه يبتدئ بالطواف من مقدم الحجر الأسود بشيء يسير من باب المقدمة ، كما أنه في الشوط السابع ينهى شوطه إلى مؤخر الحجر بمقدار يسير أيضاً مقدمة ، هذا كله في الوجه ، وكذلك في مثل الأنف ونحوه فإنه يغسل شيئاً من داخله من باب المقدمة العلمية كما عرفت.
الباطن لا يجب غسله :
(١) أما أن الباطن لا يجب غسله فهو مما لا إشكال فيه ، لأن ما يجب غسله من الوجه إنما هو المقدار الذي يصل إليه الماء بطبعه عند إسداله من أعلى الوجه ولو بإمرار اليد عليه ، وهذا لا يكون إلاّ في ظاهر الوجه كما لا يخفى.