القلبي ، جمعاً بين صحة النفي والإثبات في هذه الآيات .
لا يقال : هذا الإطلاق مجاز ، وإلا لزم الإشتراك ، والمجاز خير منه .
لأنا نقول : هو من قبيل المشترك المعنوي لا اللفظي ، ومعناه قبول الخبر أعم من أن يكون باللسان أو بالجنان ، واستعمال اللفظ الكلي في أحد أفراد معناه باعتبار تحقق الكلي في ضمنه حقيقة لا مجازاً ، كما هو المقرر في بحث الألفاظ .
فإن قلت : إن المتبادر من معنى الإيمان هو التصديق القلبي عند الإطلاق ، وأيضاً يصح سلب الإيمان عمن أنكر بقلبه وإن أقر بلسانه ، والأول علامة الحقيقة والثاني علامة المجاز .
قلت : الجواب عن الأول أن التبادر لا يدل على أكثر من كون المتبادر هو الحقيقي لا المجازي ، لكن لا يدل على كون الحقيقة لغوية أو عرفية ، وحينئذ فلا يتعين أن اللغوي هو التصديق القلبي ، فلعله العرفي الشرعي .
إن قلت : الأصل عدم النقل ، فيتعين اللغوي .
قلت : لا ريب أن المعنى اللغوي الذي هو مطلق التصديق لم يبق على إطلاقه بل أخرج عنه إما بالتخصيص عند بعض أو النقل عند آخرين . ومما يدل على ذلك أن الإيمان الشرعي هو التصديق بالله وحده وصفاته وعدله ، وبنبوة نبينا محمد صلىاللهعليهوآله وبما علم بالضرورة مجيئه به لا ما وقع فيه الخلاف وعلى هذا أكثر المسلمين . وزاد الإمامية التصديق بإمامة إمام الزمان ، لأنه من ضروريات مذهبهم ، أيضاً أنه مما جاء به النبي صلىاللهعليهوآله وقد عرفت أن الإيمان في اللغة التصديق مطلقاً ، وهذا أخص منه .
ويؤيد ذلك قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، أخبر عنهم تعالى بالإيمان ، ثم أمرهم بإنشائه فلا بد أن يكون الثاني غير الأول ، وإلا لكان أمراً بتحصيل الحاصل . وإذا حصلت المغايرة كان الثاني المأمور به هو الشرعي ، حيث لم يكن حاصلاً لهم ، إذ لا محتمل غيره إلا التأكيد ، والتأسيس خير منه . وعن الثاني بالمنع من كون ما صح سلبه هو الإيمان اللغوي بل الشرعي ، وليس النزاع فيه .