إن قلت : ما ذكرته معارض بما ذكره أهل الميزان في تقسيم العلم إلى التصور والتصديق ، من أن المراد بالتصديق الإذعان القلبي ، فيكون في اللغة كذلك لأن الأصل عدم النقل .
قلت : قد بينا سابقاً أن الخروج عن هذا الأصل ولو سلم فلا دلالة في ذلك على حصر معنى التصديق مطلقاً في الإذعان القلبي ، بل التصديق الذي هو قسم من العلم وليس محل النزاع .
على أنا نقول : لو سلمنا صحة الإطلاق مجازاً ثبت مطلوبنا أيضاً ، لانا لم ندع إلا أن معناه قبول الخبر مطلقاً ، ولا ريب أن الألفاظ المستعملة لغة في معنى من المعاني حقيقة أو مجازاً تعد من اللغة ، وهذا ظاهر .
واما الإيمان الشرعي : فقد اختلفت في بيان حقيقته العبارات بحسب اختلاف الإعتبارات . وبيان ذلك : إن الإيمان شرعاً : إما أن يكون من أفعال القلوب فقط ، أو من أفعال الجوارح فقط أو منهما معاً . فإن كان الأول فهو التصديق بالقلب فقط ، وهو مذهب الأشاعرة وجمع من متقدمي الإمامية ومتأخريهم ، ومنهم المحقق الطوسي رحمهالله في فصوله ، لكن اختلفوا في معنى التصديق فقال أصحابنا : هو العلم . وقال الأشعرية : هو التصديق النفساني ، وعنوا به أنه عبارة عن ربط القلب على ما علم من أخبار المخبر ، فهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدق ، ولذا يثاب عليه بخلاف العلم والمعرفة ، فإنها ربما تحصل بلا كسب ، كما في الضروريات .
وقد ذكر حاصل ذلك بعض المحققين ، فقال : التصديق هو أن تنسب باختيارك الصدق للمخبر حتى لو وقع ذلك في القلب من غير اختيار لم يكن تصديقاً وإن كان معرفة ، وسنبين إن شاء الله تعالى [ قصور ] ذلك .
وإن كان الثاني ،
فإما أن يكون عبارة عن التلفظ بالشهادتين فقط ، وهو مذهب الكرامية . أو عن جميع أفعال الجوارح من الطاعات بأسرها فرضاً ونفلاً ، وهو مذهب الخوارج وقدماء المعتزلة والغلاة والقاضي عبد الجبار . أو عن جميعها من الواجبات