وأما الإجماع ، فهو أن الأمة أجمعت على أن الإيمان شرط لسائر العبادات ، والشئ لا يكون شرطاً لنفسه ، فلا يكون الإيمان هو العبادات .
أقول : على تقدير تسليم دعوى الإجماع ، فللخصوم أن يقولوا : نحن نقول بكون التصديق بمسائل الأصول شرطاً لصحة العبادات التي هي الإيمان ، ولا يلزمنا بذلك أن يكون تلك المسائل هي الإيمان ، فإن سميتموها إيماناً بالمعنى اللغوي فلا مشاحة فِي ذلك ، وإن قلتم بل هي الإيمان الشرعي ، فهو محل النزاع ودليلكم لا يدل عليه .
وأجمعت أيضاً على أن فساد العبادات لا يوجب فساد الإيمان ، وذلك يقتضي كون الإيمان غير أعمال الجوارح .
أقول : إن صح نقل الإجماع ، فلا ريب في دلالته على المدعى ، وسلامته عن المطاعن المتقدمة .
هل يمكن أن يصير المؤمن كافراً
. . . المؤمن هل يجوز أن يكفر بعد إيمانه أم لا ؟ ذهب إلى الأول جماعة من العلماء ، وظاهر القرآن العزيز يدل عليه في آيات كثيرة ، كقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ، إلى غير ذلك من الآيات ، ولو كان التصديق بالمعارف الأصولية يعتبر فيه الجزم والثبات لما صح ذلك إذ اليقين لا يزول بالأضعف ، ولا ريب أن موجب الكفر أضعف مما يوجب الإيمان .
قلت :
لا ريب أن الإيمان من الكيفيات النفسانية ، إذ هو نوع من العلم على ما هو الحق ، فهو عرض ، وقبوله للزوال بعروض ضده أو مثله ، عند من يقول الأعراض لا تبقى زمانين كالأشاعرة ظاهر . وكذا على القول بأن الباقي محتاج إلى المؤثر في
بقائه أو غير محتاج مع قطع النظر عن بقاء الأعراض زمانين ، لأن الفاعل مختار ، فيصح منه الإيجاد والإعدام في كل وقت . غاية الأمر أن تبديل الإيمان بالكفر لا يجوز أن