المادية إلى نفسها ، للحصول على خواص وآثار لا توصل إليها الأسباب المادية والعوامل الطبيعية العادية ، لا يريد إلا الإنفصال عن العلل والأسباب الخارجية والإستقلال بنفسه للحصول على نتائج خاصة لا سبيل للعوامل المادية العادية إليها . فالمتدين المتزهد في دينه يرى أن من الواجب الإنساني أن يختار لنفسه سعادته الحقيقية ، وهي الحياة الطيبة الأخروية عند المنتحلين بالمعاد ، والحياة السعيدة الدنيوية التي تجمع له الخير وتدفع عنه الشر عند المنكرين له كالوثنية وأصحاب التناسخ ، ثم يرى أن الإسترسال في التمتعات الحيوانية لا تحوز له سعادته ولا تسلك به إلى غرضه ، فلا محيص له عن رفض الهوى وترك الإنطلاق إلى كل ما تتهوسه نفسه بأسبابها العادية في الجملة ، والإنجذاب إلى سبب أو اسباب فوق الأسباب المادية العادية بالتقرب إليه والإتصال به ، وأن هذا التقرب والإتصال إنما يتأتي بالخضوع له والتسليم لأمره ، وذلك أمر روحي نفساني لا ينحفظ إلا بأعمال وتروك بدنية وهذه هي العبادة الدينية من صلاة ونسك أو ما يرجع إلى ذلك .
فالأعمال والمجاهدات والإرتياضات الدينية ترجع جميعاً إلى نوع من الإشتغال بأمر النفس ، والإنسان يرى بالفطرة أنه لا يأخذ شيئاً ولا يترك شيناً إلا لنفع نفسه ، وقد تقدم أن الإنسان لا يخلو ولا لحظة من لحظات وجوده من مشاهدة نفسه وحضور ذاته ، وأنه لا يخطئ في شعوره هذا البتة ، وإن أخطأ فإنما يخطئ في تفسيره بحسب الرأي النظري والبحث الفكري .
فظهر بهذا البيان أن
الأديان والمذاهب على اختلاف سننها وطرقها تروم الإشتغال بأمر النفس في الجملة ، سواء علم بذلك المنتحلون بها أم لم يعلموا . وكذلك الواحد من أصحاب الرياضات والمجاهدات وإن لم يكن منتحلاً بديلاً ولا مؤمناً بأمر حقيقة النفس ، لا يقصد بنوع رياضته التي يرتاض بها إلا الحصول على نتيجتها الموعودة له ، وليست النتيجة الموعودة مرتبطة بالأعمال والتروك التي يأتي بها ارتباطاً طبيعياً نظير الإرتباط الواقع بين الأسباب الطبيعية ومسبباتها ، بل
هو