معرفة الله بآياته غير النفس . . فمن أين جعل رحمه الله المعرفة التي تقابل معرفة النفس ، معرفة الآفاق وحصره المقابلة بها . ثم إذا كانت المعرفة بالسير الآفاقي تشمل معرفة الله بالله تعالى وبأوليائه صلوات الله عليهم ، فكيف يصح تفضيل معرفته عن طريق النفس على هذه المعرفة ؟ !
رابعاً : تقدم بحث الحد الأدنى الواجب من معرفة الله تعالى ، ولم يتعرض الفقهاء والمتكلمون إلى طرقه ، ولم يفضلوا بعضها على بعض . كما تقدم أن معرفة الله هي من صنعه تعالى في نفس الإنسان وألطافه به ، ولا صنع للإنسان فيها .
خامساً : لا شك في صحة ما ذكره رحمهالله من أن تزكية النفس وتهذيبها من الرذائل والشهوات والتعلق بحطام الدنيا ومتاعها ، مقدمة لازمة لتحقيق هدف الدين الذي هو عبادة الله تعالى . قال تعالى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) وقال تعالى ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ) ولكن الوارد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة هو تزكية النفس وجهاد النفس ومخالفة النفس ، وهي أمور عملية غير ما يطرحه المتصوفة والعرفاء من معرفة النفس ، وإن كانت تزكية النفس تتوقف على قدر من معرفتها .
سادساً : لو سلمنا أن تزكية النفس ومخالفتها وجهادها هي نفس معرفة النفس التي طرحها المتصوفة والعرفاء ، ولكن الدعوة إلى معرفة الله تعالى وطاعته عن طريق معرفة النفس على إجمالها وإهمالها تتضمن مخاطر عديدة لا يمكن قبولها ، لأنها تتسع للضد والنقيض في الأساليب والأهداف والقدوات . . جميعاً .
فبعض الدعوات إلى معرفة الله تعالى عن طريق معرفة النفس تتبنى العزلة والرهبانية ، وبعضها يتبنى إصلاح النفس والمجتمع والحكم . وبعضها يدعو إلى التقيد بأحكام الشريعة المقررة في هذا المذهب أو ذاك . . . . وبعضها يدعو إلى تقليد الأستاذ شيخ الطريقة أو أستاذ الأخلاق وما شابه ، دون الحاجة إلى أخذ أي مفهوم أو حكم شرعي من غيره !