يتوقف ذلك على صفة الصراحة ، وإمكان الحمل على التمثيل لا يوجب الحمل عليه ما لم يتحقق هناك مانع عن حمله على ظاهره ، وقد تبين أن لا مانع من ذلك .
وإما أن الروايات ضعيفة لا معول عليها فليس كذلك ، فإن فيها ما هو الصحيح وفيها ما يوثق بصدوره كما سيجيء إن شاء الله تعالى ، في البحث الروائي التالي .
هذا ملخص ما جرى بينهم من البحث فيما استفيد من الآية من حديث عالم الذر إثباتاً ونفياً ، واعتراضاً وجواباً . واستيفاء التدبر في الآية والروايات ، والتأمل فيما يرومه المثبتون بإثباتهم ويدفعه المنكرون بإنكارهم ، يوجب توجيه البحث إلى جهة أخرى غير ما تشاجر فيه الفريقان بإثباتهم ونفيهم .
فالذي فهمه المثبتون من الرواية ثم حملوه على الآية وانتهضوا لإثباته محصله : أن الله سبحانه بعد ما خلق آدم إنساناً تاماً سوياً أخرج نطفه التي تكونت في صلبه ثم صارت هي بعينها أولاده الصلبيين إلى الخارج من صلبه ، ثم أخرج من هذه النطف نطفها التي ستتكون أولاداً له صلبيين ففصل بين أجزائها والأجزاء الأصلية التي اشتقت منها ، ثم من أجزاء هذه النطف أجزاء أخرى هي نطفها ثم من أجزاء الأجزاء أجزاءها ، ولم يزل حتى أتى آخر جزء مشتق من الأجزاء المتعاقبة في التجزي . وبعبارة أخرى : أخرج نطفة آدم التي هي مادة البشر ووزعها بفصل بعض أجزائه من بعض إلى ما لا يحصى من عدد بني آدم بحذاء كل فرد ما هو نصيبه من أجزاء نطفة آدم ، وهي ذرات منبثة غير محصورة ، ثم جعل الله سبحانه هذه الذرات المنبثة عند ذلك أو كان قد جعلها قبل ذلك كل ذرة منها إنساناً تاماً في إنسانيته هو بعينه الإنسان الدنيوي الذي هو جزء المقدم له ، فالجزء الذي لزيد هناك هو زيد هذا بعينه والذي لعمرو هو عمرو هذا بعينه ، فجعلهم ذوي حياة وعقل وجعل لهم ما يسمعون به وما يتكلمون به وما يضمرون به معاني فيظهرونها أو يكتمونها ، وعند ذلك عرفهم نفسه فخاطبهم فأجابوه وأعطوه الإقرار بالربوبية ، إما بموافقة ما في ضميرهم لما في لسانهم أو بمخالفة ذلك .