على عادة القوم في تحميل المعنى على الآية إذا دلت عليه الرواية وإن لم يساعد عليه لفظ الآية ، لأن الرواية القطعية الصدور كالآية مصونة عن أن تنطق بالمحال .
وأما الحشوية وبعض المحدثين ممن يبطل حجة العقل الضرورية قبال الرواية ويتمسك بالآحاد في المعارف اليقينية ، فلا بحث لنا معهم .
هذا ما على المثبتين . بقي الكلام فيما ذكره النافون أن الآية تشير إلى ما عليه حال الإنسان في هذه الحياة الدنيا ، وهو أن الله سبحانه أخرج كلا من آحاد الإنسان من الأصلاب والأرحام إلى مرحلة الإنفصال والتفرق وركب فيهم ما يعرفون به ربوبيته واحتياجهم إليه كأنه قال لهم إذا وجه وجوههم نحو أنفسهم المستغرقة في الحاجة : ألست بربكم ، وكأنهم لما سمعوا هذا الخطاب من لسان الحال قالوا : بلى أنت ربنا شهدنا بذلك ، وإنما فعل الله ذلك لتتم عليهم حجتة بالمعرفة وتنقطع حجتهم عليه بعدم المعرفة ، وهذا ميثاق مأخوذ منهم طول الدنيا جار ما جرى الدهر والإنسان يجري معه .
والآية بسياقها لا تساعد عليه ، فإنه تعالى افتتح الآية بقوله : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ الآية ، فعبر عن ظرف هذه القضية بإذ وهو يدل على الزمن الماضي أو على أي ظرف محقق الوقوع نحوه ، كما في قوله : وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ، إلى أن قال : قَالَ اللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ . المائدة ـ ١١٩ فعبر بإذ عن ظرف مستقبل لتحقق وقوعه .
وقوله : وإذ أخذ ربك
خطاب للنبي ( ص ) أو له ولغيره كما يدل عليه قوله : أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الآية ، إن كان الخطاب متوجهاً إلينا معاشر السامعين للآيات المخاطبين بها والخطاب خطاب دنيوي لنا معاشر أهل الدنيا ، والظرف الذي يتكي عليه هو زمن حياتنا في الدنيا أو زمن حياة النوع الإنساني فيها وعمره الذي هو طول إقامته الأرض ، والقصة التي يذكرها في الآية ظرفها عين ظرف وجود النوع في الدنيا فلا مصحح للتعبير عن ظرفها بلفظه إذ الدالة على تقدم ظرف القصة على ظرف