وثانيهما : التفصيل في المحدث بين الحدث الأصغر والحدث الأكبر ، فإنّ الآية المباركة ( ... إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ... ) فسّرت بالقيام إليها من النوم ، فسواء أُريد منها القيام إلى الصّلاة من النّوم أو من غيره من الأحداث فرضت الآية المباركة المكلّف محدثاً بالحدث الأصغر وأوجبت عليه الوضوء ، ثمّ فرضته محدثاً بالجنابة حيث قال تعالى ( ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... ) وأوجبت عليه الغسل. ومن الظّاهر أن التفصيل قاطع للشركة ، فدلّت الآية المباركة على أنّ الوضوء إنّما يجب على من قام إلى الصّلاة من غير حدث الجنابة ، وأمّا المحدث بحدث الجنابة فهو مكلّف بالغسل دون الوضوء.
وأمّا السنّة فقد دلّت الرّوايات المستفيضة على أنّه لا وضوء مع غسل الجنابة لا قبله ولا بعده (١) ، بل ورد في بعضها أنّ الوضوء معه بدعة محرمة (٢). نعم في موثقة أبي بكر الحضرمي (٣) عن أبي جعفر عليهالسلام الأمر بالوضوء قبل غسل الجنابة ، إلاّ أنّها محمولة على التقيّة لموافقتها العامّة ومخالفتها للكتاب والسنّة ، فإنّ العامّة ذهبوا إلى لزوم الوضوء قبل غسل الجنابة.
بل وفي بعض الأخبار : « قلت له عليهالسلام إنّ أهل الكوفة يروون عن علي عليهالسلام أنّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة ، قال : كذبوا على عليّ عليهالسلام ، ما وجدوا ذلك في كتاب علي عليهالسلام ، قال الله تعالى ( ... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ... ) » (٤).
هذا على أنّ المسألة متسالم عليها بينهم.
وأمّا غير غسل الجنابة من الأغسال فالكلام فيه قد يقع من حيث مقتضى القاعدة
__________________
(١) الوسائل ٢ : ٢٤٦ ٢٤٨ / أبواب الجنابة ب ٣٤ و ٣٥.
(٢) الوسائل ٢ : ٢٤٥ و ٢٤٦ / أبواب الجنابة ب ٣٣ ح ٥ فيه ( أنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة ) وح ٦ و ٩ و ١٠ فيها ( أنّ الوضوء بعد الغسل بدعة ).
(٣) الوسائل ٢ : ٢٤٧ / أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٦.
(٤) الوسائل ٢ : ٢٤٧ / أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٥.