رجعت برؤوسهم ، ثم سارو هو معجب بنفسه فسأل عن سيد قريش ، فقالوا : هو الشيبة النجار (١) ، وكان عبدالمطلب قد رأه وعلم أنه رسول من القوم ، فلما نظر حناطة إلى عبدالمطلب دهش وحار ، فقال له عبدالمطلب : ما الذي أتي بك؟ قال : يا مولاي إن أبرهة قد عرف فضلكم ، ووهب لكم الحرم والبيت ، وقد أرسل إليك أن تقوم بدية من قتل له ، أو تسلم من رجالك بعددهم (٢) ، ثم تقوم له بثمن ما عدم من الكنيسة ، فإذا فعلتم هذا رجل عنكم (٣) ، فقال عبدالمطلب : أيؤخذ البرئ بالسقيم ، ونحن من شميتنا الامانة والصيانة ، ونقبض أيدينا عن المظالم ، ونصرف جوارحنا (٤) عن المآثم ، فبلغ صاحبك عنا ذلك ، وأما هذا البيت فقد سبق مني القول فيه : إن له ربا يمنع عنه ، فوالله ما كبر علي ما جمعتموه من الرجال ، فإن أراد صاحبك المسير فليسر ، وإن أراد المقام فليقم ، قال : فلما سمع حناطة كلامه غضب وأراد أن يقتل عبدالمطلب ، فظهر لعبد المطلب ما في وجهه فلم يمهله دون أن قبض على محزمه ومراق بطنه وشاله (٥) وضرب به الارض ، وقال : وعزة ربي لو لا أنك رسول لاهلكتك قبل أن تأتي صاحبك ، فرجع حناطة إلى الاسود وأعلمه بما كان من أمره ، ثم قال : هؤلاء قوم قد غلت (٦) دماؤهم ، والرأي عندي أن تراسل القوم بعد هذا ، واعلم أن مكة خلية من أهلها (٧) ، فاسرع إلى الغنيمة.
قال الراوي : فأمر الجيوش بالزحف فساروا نحو الحرم ، فلما قربوا منه جاءهم أمر الله من حيث لا يشعرون ، وإذاهم بأفواج من الطير كالسحابة المترادفة يتبع بعضها بعضا ، و هي كأمثال الخطاطيف ، يحمل (٨) كل طير ثلاثة أحجار : أحدها في منقاره ، واثنين (٩)
_________________
(١) في المصدر : الشيبة الفخار. أثبته المصنف في الهامش عن نسخة.
(٢) أو ترجع له برجال بعددهم خ ل.
(٣) في المصدر زيادة : وأنتم له شاكرون.
(٤) جوانحنا خ ل.
(٥) المحزم ما يشد به الوسط. شاله : رفعه.
(٦) حلت خ ل.
(٧) عن أهلها خ ل.
(٨) يحمل منها خ ل وفي المصدر : يحمل كل طير منها.
(٩) في المصدر : اثنتين.