بين رجليه كالعدس ، وكبيرها كالحمص ، وقد تعالت الطيور ، وارتفعت وامتدت فوق العسكر (١) ، وانتشرت بطولهم وعرضهم ، فلما نظر القوم إلى ذلك خافوا وقالوا : ما هذه الطيور التي لم نر مثلها قبل هذا اليوم؟ فقال الاسود : ما عليكم بأس ، لانها طير تحمل رزقها لفراخها ، ثم قال : علي بقوسي ونبلي حتى أردها عنكم ، فأخذ قوسه و أراد الرمي فتصارخت الطيور مستأذنة لربها في هلاك القوم ، فما أتمت (٢) صراخها حتى فتحت أبوباب السماء ، وإذا بالنداء : أيها الطيور المطيعة لربها افعلوا امرتم به ، فقد اشتد غضب الجبار على الكفار ، ففتحت الطيور أفواهها ، وكان أول حصاة وقعت على رأس حناطة فنزلت من البيضة إلى الرأس إلى الحلقوم ، ونزلت إلى الصدر ، وخرجت من دبره ، ونزلت إلى الارض وغاصت فانقلب صريعا ، فتناثرت (٣) القوم يمينا وشمالا و الطيور تتبعهم لا تحول ولا تزول عن الرجل حتى ترميه بالحصاة على رأسه ، فتخرج من دبره ولا يردها درقة (٤) ولا حديد ، وإن أبرهة لما نظر إلى الطير وفعلها علم أنه قد احيط بهم ، فولى هاربا على وجهه ، وأما الاسود فإنه لما نظر إلى ما نزل بقومه والحصى تتساقط عليهم وهم يقعون على وجوههم فإذا بطير قد ألقى (٥) حجرا فوقع في فيه حتى خرج من دبره (٦) ، وأتاه آخر فضربه في هامته فطلع من قفاه (٧) ، فخر صريعا ، و أعجب من ذلك أن رجلا من حضر موت كان له أخ فسأله المسير معه فأبى ، وقال : ما أنا ممن يتعرض لبيت الله ، فلما نزل بهم البلاء حرج هاربا على وجهه والطير يتبعه ، فلما وصل إلى أخيه وصف له العذاب الذي حل بالقوم ورفع رأسه وإذا هو بطير قدرماه بحصاة
_________________
(١) في المصدر : وامتدت من فوق رؤس القوم.
(٢) في المصدر : فماتت.
(٣) فتنافرت خ ل.
(٤) الدرقة : الترس من جلود ليس فيه خشب ولا عقب.
(٥) قد ألقى عليه خ ل.
(٦) خرج من تقرة قفاه خ ل.
(٧) من قفاه خ ل وفي المصدر : فخرج من نقرته.