سطح النور في غرته (١) حتى لحق عنان السماء (٢) ، فلما نظر إليه عبدالمطلب فرح (٣) فرحا شديدا ، ولم يخف مولده على الكهنة والاحبار ، فأما الكهنة فعظم أمره عليهم لابطال كهانتم ، وأما أحبار اليهود فكانت معهم جبة بيضاء وكانت جبة يحيى بن زكريا عليهماالسلام ، وكان الدم يابسا عليها قد غمست في دمه ، وكان في كتبهم : إن هذا الدم الذي في الجبة إذا قطر منها قطرة واحدة من الدم يكون قد قرب خروج صاحب السيف المسلول ، فنظروا إلى ذلك الدم فوجدوا الجبة ، وإذا بها قد صارت رطبة يقطر منها الدم (٤) ، فعلموا أنه قددنا خروجه ، فاغتموا لذلك غما شديدا ، وبعثوا إلى مكة رجالا منهم يكشفون لهم عن الخبر ، ويأتونهم بخبر مولده ، وكان عبدالله يشب في اليوم مثل ما يشب أولاد الناس في السنة ، وكان الناس يزورونه ويتعجبون من حسنه وجماله وأنواره ، وقيل : إنه لقى عبدالله في زمانه وما لقى يوسف الصديق في زمانه ، وذلك من عداوة اليهود ، وجرت عليه امور عظيمة وأحوال جسيمة (٥).
فلما كملت لعبد المطلب عشرة أولاد ذكورا وولد له الحارث (٦) فصاروا أحد عشر ولدا ذكرا فذكر نذره الذي نذر ، والعهد الذي عاهد : لئن بلغت أولادي أحد عشر ولدا ذكورا (٧) لاقربن أحدهم لوجه الله تعالى ، فجمع عبدالمطلب أولاده بين يديه ، وصنع لهم طعاما ، وجمعهم حوله ، واغتم لذلك غما شديدا ، ثم قال لهم : يا أولادي إنكم كنتم تعلمون (٨) أنكم عندي بمنزلة واحدة ، وأنتم الحدقة من العين ، والروح بين الجنبين ،
_________________
(١) في المصدر : من غرته.
(٢) بعنان السماء خ ل.
(٣) فرح به خ ل.
(٤) في المصدر : فنظروا إلى ذلك الدم فوجدوه قد صار رطبا يقطر منها دما. فعلموا. ونقله المصنف في الهامش عن نسخة.
(٥) ذكر نحوه المسعودى في اثبات الوصية : ٨٤.
(٦) قد سبق أن الحارث ولد قبلهم ، فالصحيح كما في المصدر : وولده الحارث.
(٧) في المصدر : عشرة ، وذكر المصنف عن نسخة في الهامش هكذا : عشرة ذكورا لا نحرن. (٨) أنتم تعلمون خ ل وهو الموجود في المصدر.