في كل واحد من الاحكام والشرائع أن يكون كذلك ، ويبطل قوله تعالى : « بلغ ما انزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس (١) » فإنه لا فرق بين النقصان عن الوحي ، وبين الزيادة فيه ، فبهذه الوجوه عرفنا على سبيل الاجمال أن هذه القصة موضوعة ، أكثر ما في الباب أن جمعا من المفسرين ذكروها لكنهم ما بلغوا حد التواتر ، وخبر الواحد لا يعارض الدلائل العقلية والنقلية المتواترة ، ولنشرع الآن في التفصيل فنقول : التمني جاء في اللغة لامرين : أحدهما : تمني القلب ، والثاني : القراءة ، قال الله تعالى : « ومنهم اميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني (٢) » أي إلا قرءة ، لان الامي لا يعلم القرآن من المصحف ، وإنما يعلمه قراءة ، وقال حسان :
تمنى كتاب الله أول ليلة |
|
وآخرها لاقى الحمام المقادر |
فأما إذا فسرنا بالقراءة (٣) ففيه قولان :
الاول : إنه تعالى أراد بذلك ما يجوز أن يسهو الرسول فيه ويشتبه على القارئ ، دون ما رووه من قوله : تلك الغرانيق العلى.
الثاني : المراد فيه وقوع هذه الكلمة في قراءته ، ثم اختلف القائلون بهذا على وجوه :
الاول : أن النبي (ص) لم يتكلم بقوله : تلك الغرانيق العلى ، ولا الشيطان تكلم به ، ولا أحد تكلم به لكنه (ص) لما قرأ سورة النجم اشتبه الامر على الكفار فحسبوا بعض ألفاظه ما رووه ، وذلك على حسب ما جرت العادة به من توهم بعض الكلمات على غير ما يقال ، وهو ضعيف لوجوه :
أحدها أن التوهم في مثل ذلك إنما يصح فيما قد جرت العادة بسماعه ، فأما غير المسموع فلا يقع ذلك فيه.
وثانيها : أنه لو كان كذلك لوقع هذا التوهم لبعض السامعين دون البعض ، فإن العادة
___________________
(١) المائدة : ٦٧.
(٢) البقرة : ٧٨.
(٣) في المصدر : فالحاصل أن الامنية اما القراءة واما الخاطر ، أما اذا فسرناها بالقراءة.